آمنة بنت وهب (أم النبي محمد عليه الصلاة والسلام)
التعريف بالسيدة آمنة بنت وهب وصفاتها
إنَّّ السيِّدة آمنة بنت وهب هي أمُّ خير البشر محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ويعود نسبها لقبيلة قريش ؛ فأبوها هو وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهو جدُّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأُمِّّه، أمَّا أمُّها فهي برَّة بنت عبد العزى بن قصي بن كلاب، فتكون تلك جدَّة النَّبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- من جهة أمِّه، وإنَّ السيِّدة آمنة ليس لها إخوةٌ أبداً، وعليه فإنَّه لم يكن لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أخوالٌ، إلَّا عبد يغوث بن مناف، كما أنَّها لم تتربَّى في بيت والدها بل تربَّت عند عمِّها وهيب بن عبد مناف، وهذا نسبٌ رفيعٌ أكسبها مكانة مميَّزةً في قومها، وكانت آمنة بنت وهب معروفةً عند قومها بشدَّة ذكائها وحسن بيانها وقولها.
زواج آمنة بنت وهب وحملها بالنبي عليه السلام
كانت آمنة بنت وهب في رعاية عمِّها وهيب، فجاء إليه عبد المطلب خاطباً إياها لابنه عبد الله، فوافق وليُّها على زواجها من عبد الله بن عبد المطلب ، كما أنَّ عبد المطلب خطب في نفس المجلس هالة بنت وهيب -ابنة عم آمنة بنت وهب- لنفسه، فوافق على زواجه أيضاً، فأنجنبت هالة له حمزة بن عبد المطِّلب -عمُّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وأمَّا آمنة بنت وهب فقد أقام عندها عبد الله بن عبد المطلب ثلاثة أيامٍ عند زواجه منها، وكانت تلك عادةً شائعةً عند العرب لمن أقبل على الزَّواج.
وقد ذُكر في كتب التَّاريخ قصَّة النُّور الذي كان بين عيني عبد الله بن عبد المطلب عند زواجه من آمنة بنت وهب وحملها منه، فقد رُوي أنَّه مرَّ في موسم الحجِّ على امرأةٍ من بني خثعم، وقيل هي ليلى العدويَّة، ورأت هذه المرأة نوراً يخرج من بين عيني عبد الله بن عبد المطلب، فعرضت نفسها عليه وطلبته لنفسها مقابل أن تعطيه مئةً من الإبل، فأخبرها بأنَّه سيرجع إليها، ثمَّ ذهب وأتى زوجته آمنة بنت وهب، فلمَّا تذكَّر المرأة التي دعته لنفسها عاد إليها، ولكنَّها لم تر ذلك النُّور المضيء الذي كان يُنير وجهه، فسألته إن كان قد جاء امرأة بعدها، فأخبرها بأنَّه قد أتى زوجته آمنة، وكانت قد حملت منه بخير البشر محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
لم يطل زواج آمنة بنت وهب من عبد الله بن عبد المطلب، فقد خرج في تجارةٍ إلى غزَّة بفلسطين، وفي طريق عودته قبل وصوله مكة المكرمة، أصيب بمرضٍ شديدٍ في المدينة المنوَّرة ، وتوفِّي هناك ودفن في المدينة، وكانت آمنة بنت وهب حاملاً آنذاك بمحمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فوضعته بعد وفاة أبيه، ولمَّا وُلد يتيماً لا أب له أصبح في رعاية جدِّه عبد المطلب، وكانت آمنة بنت وهب تسافر كلَّ عامٍ من مكَّة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة لتزور قبر زوجها عبد الله.
حمل آمنة بنت وهب بالنبي عليه السلام
كان حمل آمنة بنت وهب برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- هيِّناً ليِّناً، وكان حملها به خفيفاً ولم تشعر بالثِّقل كما تشعر باقي النِّساء في أحمالهنَّ، ولم تعلم بحملها ولم تكن مُتيقِّنةً منه غير أنَّها رُفع عنها الحيْض، لكنَّه رُوي عنها أنَّها شعرت بآتٍ أتى إليها وهي في حالة بين النَّوم واليقظة يُخبرها بأنَّها قد حملت بخير البشر، فتأكَّدت بذلك من حملها، وكان حمله في يوم الاثنين، ولمَّا اقترب موعد ولادتها سمعت هاتفاً يوصيها بأن تستعيذ بالله الواحد الصَّمَد وتستودع ابنها، فولدت بعد أيامٍ، ولم تشعر بمشقَّةٍ شديدةٍ أثناء ولادتها له، ولم يكن لعبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب أولادٌ غير محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وفاة آمنة بنت وهب
لمَّا بلغ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من العمر ستَّ سنواتٍ وفي بعض الرِّوايات أربع سنوات، خرجت به أمُّه آمنة بنت وهب إلى المدينة المنورة، في زياةٍ لأخواله بني عدي بن النَّجار، وكان برفقتهم حاضنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمُّ أيمن، وكانتا تركبان على بعيرين، فنزلت أمُّه به في مكان يُسمَّى دار النَّابغة، وأقامت هناك شهراً كاملاً، وقد كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتذكَّر هذا المكان عندما كبر وجاء إلى المدينة مهاجراً، ويتذكَّر لعبه فيه مع الصِّبيان، كما يتذكَّر كلام اليهود عنه في صغره من أنَّ علامات النُّبوَّة ظاهرةٌ عليه ، وعند عودة آمنة بنت وهب وابنها وأمِّ أيمن مرضت السَّيدة آمنة في مكانٍ يُدعى الأبواء، وتوفِّيَت ودفنت فيه، وهو مكانٌ بين مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، ثمَّ رجعت أمُّ أيمن بمحمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهي تحضنه إلى مكَّة المكرَّمة ومعها البعيرين، وقد رُوي أنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- مرَّ بعد أن كبر بقبر أمِّه وهو ذاهبٌ لأداء عمرة الحديبية، إذ أذن له الله -تعالى- أن يزورها فتذكَّرها وتذكَّر رحمتها به وبكى -عليه الصَّلاة والسَّلام- عند قبرها هو وأصحابه.
وبعد وفاة أمِّه وأبيه ظلَّ في حفظ جدِّه عبد المطلب، وقد حظي بمكانةٍ مميَّزةٍ عنده، فقد كان لعبد المطلب مجلسٌ خاصٌّ بهِ في ظلِّ الكعبة المشرَّفة، لا يجلس فيه أحدٌ من أبنائه ولا يسمحون لأحدٍ الاقتراب منه، وعندما كان يأتي محمَّد -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى فراش جدِّه وهو غلامٌ حينئذٍ يُؤخِّرونه عنه، فيتركه جدُّه ويقول: دعوه والله إنَّ له شأناً كبيراً، وكان يعطف عليه ويمسح على رأسه ويُربِّت عليه رحمةً به.