أسباب دخول الجنة
الجنة
إن الجنة هي الهدف الأسمى الذي يسعى المؤمنون جاهدين لتحقيقه يوم القيامة ، فهي الفوز العظيم الذي وعد الله -تعالى- به عباده الصالحين الذين شهدوا بوحدانيّته، وآمنوا به سبحانه، وبكتبه، وملائكته، ورسله عليهم السلام، وباليوم الآخر ، والقدر خيره وشره، كما إن الجنة دار الخلد والنعيم الدائم الذي لا ينقطع، وفيها السعادة مطلقة لا يقطعها حزن، ولا نصب، ولا هم، وقد ذكر الله -تعالى- صفات الجنة في الكثير من آيات القرآن الكريم، وبيّن رسوله -صلى الله عليه وسلم- الطريق إلى الجنة وأسباب دخولها.
أسباب دخول الجنّة
هناك العديد من الأسباب المؤدّية إلى دخول الجنة بإذن الله تعالى ، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:
- صحة العقيدة والعمل: من أعظم أسباب دخول الجنة تصحيح العقيدة ، إذ إن الأخذ بالأسباب المؤدّية إلى الجنة من غير تصحيحٍ للعقيدة لا تُدخل صاحبها الجنة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)، وفي المقابل لا يكفي الإيمان من غير عملٍ لدخول الجنة، حيث إن الله -تعالى- قرن الإيمان بالعمل الصالح في الكثير من مواضع القرآن الكريم، حيث قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، والعمل الصالح هو العمل الخالص لله -تعالى- والموافق للسنة النبوية، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ اللَّهَ لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ لَهُ خالصًا، وابتغيَ بِهِ وجهُهُ)، وبناءً عليه فإن تحقيق الإيمان بالله الذي يدفع إلى التزام طاعته، والتزام العمل الصالح الذي بيّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سببٌ من أسباب دخول الجنة .
- التقوى والمراقبة: يمكن تعريف التقوى على أنه العمل وطاعة الله على نورٍ من الله، وقد عرّفه البعض على أنه العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، ومما يدلّ على أن التقوى سببٌ لدخول الجنة قول الله تعالى: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ* الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ* لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).
- طاعة الله -تعالى- ورسوله: من أسباب دخول الجنة طاعة الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في كافة تفاصيل الحياة، حتى وإن تعارض الحكم الشرعي مع المصلحة الشخصية، فقد قال الله -تعالى- في كتابه الحكيم: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا).
- الجهاد في سبيل الله: يُعدّ الجهاد في سبيل الله من أعظم أسباب دخول الجنة، ومن الجدير بالذكر أن الجهاد في سبيل ينقسم إلى عدّة أنواعٍ وهي جهاد النفس والهوى، والجهاد الدعويّ، والجهاد القتاليّ، والجهاد الماليّ، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّـهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ).
- طلب العلم: يُعدّ طلب العلم من أسباب دخول الجنة، ولكن ينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، حيث يكون الهدف منه معرفة الله تعالى، وتعلّم ما أمر به سبحانه ونهى عنه، والتعرّف على الأحكام الشرعيه، والسنة النبوية المطهّرة ، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنَّةِ).
حال السلف الصالح مع الجنة
لم يكن تفاعل الصحابة -رضي الله عنه- مع قضية الجنة كما هو حال اللاحقين من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكن حديثهم عن الجنة مجرّد كلام نظري لا إحساس فيه، بل كانوا يتعايشون مع الجنة ويتأثّرون بما يسمعونه عنها تأثّراً شديداً إلى أن أصبحت النقطة المحورية في حياة كل واحدٍ منهم، وكُتب السير والتاريخ مليئةٌ بالمواقف التي تدلّ على ذلك، ومنها ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- في أحداث غزوة بدر لمّا دنى المشركون قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ)، فلمّا سمع عمير بن الحمام -رضي الله عنه- كلمات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تأمّلها، وتدبّرها جيداً، وكأنه يسمع هذا الكلام لأول مرة، ثم قال: "يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ"؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: (نعم)، فتعجّب الصحابي من عظم ما سمع فقال: "بخ بخ"، وهي كلمة تُقال عند تفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- خشي أن يكون الصحابي شاكّ في هذا الكلام، فسأله قائلاً: (ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟)، فقال: "لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا"، فلمّا شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصدق في كلامه، قالَ: (فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا)، وكان ذلك غاية رجاء عمير رضي الله عنه، وهو أن يكون من أهل الجنة، وقد بشّره فيها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يمنعه من دخولها إلا أن يموت، فأخرج من الوعاء الذي يحمل فيه طعامه بضع تمرات وأخذ يأكل منها، ثم قال: "لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ"، ثم ألقى التمرات، وقام فقاتل الكفار حتى قُتل شهيداً، ونال ما تمنّى.
الجنّة باللغة والاصطلاح
تُعرّف الجنّة لغةً على أنها الحديقة ذات النخل والشجر، والتي تستر ما بداخلها، وهي مأخوذةٌ من الجنن وهو الستر، ولذلك سمّي الجنين جنيناً لأنه يستتر في بطن أمه، وسمّي الجنّ بهذا الاسم لاختفائه عن البصر، ومنه جنون الليل أي شدّة ظلمته وستره لما فيه، وأما شرعاً فتُعرّف الجنة على أنها دار الكرامة والخلود التي أعدّها الله -تعالى- للمؤمنين وفضّل عليهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، وفيها الكثير من النعم الأبدية، وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداقاً لقول الله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).