مفهوم الفكر في الفلسفة
مفهوم الفكر في الفلسفة
الفكر هو النشاط الذهني، ويقال فكر في الأمر أي أعمل العق، رتب أفكاره فبدأ يستنبط منها، وهذا المفهوم تم استخدامه في الفلسفة، ويقال أحيانًا رجال الفكر، أي المفكرون، وفي بعض الأحيان تأتي بمعنى الخطة، أو المنهجية، فعنما يقال الاستنباط، فإن الاستنباط منهج متكامل، يتم من خلاله التوصل من المبادئ الكلية إلى نتائج جزئية.
كلمة فلسفة "Philosophy" تعني محبة الحكمة، و الحكمة لا تكون إلا بإعمال العقل، وللعقل مركزية هامة في الخطاب الفلسفي اليوناني، استطاع من خلاله الفلاسفة أن يشكلوا تيارات فلسفية، وينتجوا فكرًا مهولًا كان له دور في تخفيف معاناة الإنسان، والوصول إلى السعادة.
إعمال العقل عند أرسطو
كان لأرسطو رأي في ضرورة إعمال العقل، وفرّق بين الفكر والفلسفة، أن التفلسف هو أعلى درجات التفكير، ودعا إلى ذلك في كتابه، دعوة للفلسفة الذي يعد من أهم كتبه، وعثر عليه لاحقًا، لأنه كان مفقودًا، ويبين أرسطو أن التفلسف يقود إلى الحياة السعيدة، ومن أهم شذراته التي يدعو فيها الإنسان إلى إعمال عقله من خلال التأمل والتفكير العميق ليصلو إلى الفلسفة ما يأتي:
- "إن البشر جميعًا يسعون إلى المعرفة بحكم طبيعتهم."
- "القانون وحده الحكيم والسيد، هذا القانون الذي يعبر منطوقه عن حكمة، وبصيرة، ومن ذا الذي يتسنى له أن يمثل المعيار، ويكون لنا ذلك الدليل الهادي إلى الخير غير الإنسان الحكيم. "
- "إن فعل الفلسفة أمرٌ ضروري، وفي حال ظن أحدهم أنه غير ضروري عليه أن يثبت ذلك، وكيف يتسنى له إثبات ذلك من غير الفلسفة، وبهذا حتى بإثبات عدم ضرورية الفلسفة سيلجأ الإنسان إلى الفلسفة، لذلك فلا بد منها".
- "إن أسمى أفعال النفس هو التفكير، وأعلى درجات التفكير هو التفلسف؛ ولهذا فإن الحياة الكاملة لا تكون إلا من نصيب أصحاب الفعل الخالص، أي من نصيب الفلاسفة، وهؤلاء هم الذين يبلغون الغاية؛ لأنهم هم الذين يقومون بالفعل الفلسفي، على أساس أن العلم يكون متناهيًا في الدقة، ويجدون ويجتهدون في طلب الحقيقة، في النظر والعمل على حد سواء".
من خلال ما سبق يلاحظ أن الحكيم عند أرسطو لا يكون حكيمًا أو فيلسوفًا إلا إذا كان ذو فكر وعقل متقد، وأضاف الجانب العملي أو الأخلاقي إلى هذا الجانب فعلى الفيلسوف أن يكون متأملًا ومفكرًا، ودو خلق رفيع في ذات الوقت، ويلاحظ تأثر أرسط بالإرث الفلسفي السقراطي، والأفلاطوني، فمقولة سقراط بأن الحياة غير المُمحّصة ليست جديرة بأن تُعاش" كان لها أثر كبير في أهمية الفكر عند أرسطو.
الفكر جزء أساسي من الفلسفة، إلا أنه لا يجعل من الإنسان فيلسوفًا فمتطلبات الفلسفة، لا تقف عند حد التفكير، وعلى الرغم من أن سقراط عد التفكير الذي يتجلى من خلال التساؤل أساس الفلسفة إلا أنه أصر على ضرورة انعكاس ذلك على أخلاق الإنسان وسلوكه.
إعمال العقل عند ديكارت
إن مركزية العقل في الخطاب الفلسفي الأوروبي ظهرت مع الدخول في عصر الفلسفة الحديثة، ويلاحظ ذلك بوضوح في فلسفة ديكارت، الذي يعد أبا الفلسفة الحديثة ، وشكلت فلسفته الملامح العامة للذات الأوروبية في الخطاب الفلسفي، واستند ديكارت في أفكاره إلى التفكير لوحده على اعتبار أنه ملكة إنسانية ينفرد بها الإنسان لوحده، ومن خلال الفكر لوحده توصل إلى الكوجيتو.
واعتمد في ذلك على الشك، فالشك هو نقيض اليقين، وهو التفكير في انعدام اليقين والثقة بالمعارف، وشكر ديكارت في كل المعارف الإنسانية، وحتى أنه فكر في انعدام احتمالية أن يكون وجوده مزيفاً، إلا أنه مهما وصل في الشك، لا يمكن له أن يشك في أن هنالك ذاتًا تمارس الفكر.
كانت النتيجة النهائية لهذا الأمر هي مقولة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، فمن خلال الفكر لوحد أثبت وجود الذات، ومن ثم يواصل ذلك التفكير، فيثبت وجود الله والعالم، وفلسفة ديكارت فلسفة عقلانية بحت، لم تعتمد على التجربة ، وصاغ قواعد المنهج التي عرفت لاحقًا بقواعد المنهج الديكارتي.
اعتمد فيها على التفكير والتعقل في استخلاص النتائج النهائية للبحث الفلسفي، ومن خلال ما سبق يمكن ملاحظة أن مفهوم الفكر في الفلسفة اعتمد على العقل ، ولم يعتمد على الحواس، أي أن المعارف المشتتة التي تصل إلى العقل عن طريق الحواس لا بد أن يتم ترتيبها، ضمن ما عرف في الفلسفة الكانطية بالمقولات.