طريق الجنة
كيفية الوصول إلى الجنة
الجنّة هي النعيم المقيم الذي لا يزول ولا ينقطع، فماء الجنّة لم يتغيّر طعمه، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلَذّ الأعين، أعدَّها الله -تعالى- لعباده الصالحين الذين اتّقوا ربهم في الحياة الدنيا، فنالوا من الله -تعالى- الجزاء العظيم، والجنّة هي سلعة الله الغالية، يقول أبو هريرة متحدّثاَ عن حال عثمان بن عفان رضي الله عنهما: "اشترى عثمان الجنّة من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين"، وقد يسأل سائلٌ؛ وكيف تُشترى الجنة؟ فتأتي الإجابة بأنَّ الجنة قد تُشترى بأداء ركعتين خاشعتين في ظلمة الليل، أو بقول كلمة حقٍ والانتصار للمظلومين، أو أن تلقى أخاك بوجهٍ مبتسم، وتمسح على رأس اليتيم بكفّ الحنان، فتشعره بالأمان الذي فقده بفقد أحد أبويه أو كليهما، وقد سلك عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الكثير من هذه طرق الجنة، فقد جهَّز جيش العُسرة، وحفر بئر رومة، ومن الأسباب المعينة على الوصول إلى الجنة ما يأتي:
- القيام بالأعمال الصالحة: فلو قضى الإنسان حياته كاملةً في طاعة الله -تعالى- لتمنّى يوم القيامة أن يعود إلى الدنيا؛ حتى يزداد من الأجر والثواب ، ولِما يرى من عظيم كرم الله -تعالى- وفضله، كما إنَّ الإنسان يوم القيامة يتمنّى أن يفتدي نفسه بأي ثمن.
- التجاوز عن المعسرين وإمهالهم إلى ميسرة: فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته عن رجلٍ لم يعمل خيراً قط سوى أنَّه كان يداين الناس فيأخذ ممن تيسّر، ويترك من تعسّر، لعلّ الله -تعالى- يتجاوز عنه، فكان تجاوزه عن الناس سبباً في تجاوز الله عنه.
- إماطة الأذى عن الطريق: فقد شكر الله -تعالى- لرجلٍ أزال غصن شوكٍ من طريقٍ فأدخله بفعله هذا الجنّة.
- الإكثار من ذكر الله تعالى: يعدّ الذكر من أسباب مغفرة الذنوب، كما إنَّه من أسباب دخول الجنة في الآخرة.
- قراءة آية الكرسي بعد الصلوات المكتوبة: فمن فعل ذلك لم يمنعه من دخول الجنّة إلا أن يموت، كما إنَّها تحفظ المسلم من كيد الشيطان .
- طلب الجنة من الله تعالى: واللجوء إلى الله -تعالى- بالدعاء والإكثار من قول لا إله إلا الله، فمن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة.
- أداء الصلاة: فمن أدّى الصلوات الخمس دون استخفافٍ، أخذ العهد من الله -تعالى- بدخول الجنة.
- الإنفاق في سبيل الله: فقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته الكرام على الإنفاق ، فهو طريقٌ وسبيل إلى الجنة.
- أسبابٌ أخرى: كذلك من أهم الطرق الموصلة للجنة بر الوالدين، وحسن الخلق، وحسن تربية البنات، والإحسان إلى الزوج، والصيام.
الصحابة والجنة
لقد تفاعل الصحابة الكرام مع مفهوم الجنّة، حتى شَكّلت النقطة المحورية في حياة كلٍ منهم، أمَّا عن حال الأُمّة اليوم فعندما يتحدّث العلماء عن الجنّة تشعر وكأنَّها تنحصر في المفهوم النظري الخالي من المشاعر والأحاسيس التي كانت بارزةً في حياة الصحابة ، فقد كان الصحابي إذا سمع معلومةً واحدةً عن الجنّة عاش معها حياته إلى أن يلقى الله -تعالى- حتى وصلوا إلى العيش في الجنة وهم على الأرض، فقد كان ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- وهو شابٌ صغير لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، ولم يكن -رضي الله عنه- من كبار الصحابة بل كان من عوامّهم، كما إنَّه من الفقراء المعدمين الذين ليس لهم مأوى سوى المسجد، ومن الطبيعي أن يكون لمثله الكثير من الأُمنيات والآمال، إلا إنَّه يحكي عن نفسه ويقول: "كُنت أخدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأقومُ له في حوائجِه نهارِي أَجمع، حتى يُصلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إِذا دخل بيته".
فقد كان في خدمة النّبي -صلى الله عليه وسلم- طوال النهار، ويجلس على بابه حتى إذا عرضت له حاجةٌ كان في خدمته، وعندما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا التفاني في خدمته من ربيعة قال له: (سلني يا ربيعة أُعطك)، فقال ربيعة: "أنظرُ في أمري يا رسول اللَّه، ثُمَّ أُعلمُك ذلك"، ثمَّ فكَّر في نفسه وعلم أنَّ الدنيا زائلة، وعاد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أَسألك مُرافقتك في الجنَّة"، فهو لا يريد الجنة فحسب وإنَّما يريد أعلى درجات الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأُعجب به النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب منه أن يعينه على ذلك بكثرة السجود .
وصف الجنة
الجنّة هي دار الكرامة ، لا يبأس داخلها، ولا يفنى شبابه، وقد اختصَّ الله -تعالى- داخليها بصنوف الملذّات وألوان النعيم ، قال تعالى (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، ويعدُّ الخلود فيها من أعظم النعم، فلا يخاف أهل الجنة من الموت والفناء، وإنَّما هم في رضوان الله الذي لا سخط بعده أبداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّه تبارك وتعالى يقول لأهل الجنَّة: يا أهل الجنَّة؟ فيَقولون: لبَّيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتُم؟ فيَقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من خلقك، فيَقولُ: أنا أُعطيكُم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربِّ، وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟ فيقولُ: أُحلُّ عليكم رِضواني، فلا أسخطُ عليكُم بعدهُ أبداً)، وليس في الجنة شيءٌ من الهمّ والغمّ.
والنعيم فيها لا ينتهي لمن أطاع الله -تعالى- في الدنيا، وعرْض الجنة كعرْض السماوات والأرض، وقد أعدَّ الله -تعالى- فيها الأشربة المطهّرة، والوِالدان المخلّدون، والحور العين للمؤمنين الذين أقبلوا على القرآن الكريم قراءةً وتدَبّراً، وعلى المساجد إعماراً، ولم يغفلوا عن الإحسان إلى أهليهم وذويهم وعن إكرامهم، وتتعدّد أسماء الجنة؛ فهي دار المأوى، و جنات عدن، ودار السلام، وجنات النعيم، ودائماً ما يُشير تعدّد الأسماء إلى عِظم المسمَّى.