صفات عباد الرحمن من سورة الفرقان
عباد الرحمن
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم ليكون منهجاً يهتدي به الناس، وليصلوا من خلاله إلى العبادة الحقّة، من ذلك ما كان في سورة الفرقان ؛ التي وضّح المولى -جلّ في علاه- في آخرها الصفات التي يجب أن يتّصف بها المسلمون ليكسبوا رضاه.
بل ونسبهم إلى اسمه الكريم فأسماهم عباد الرحمن، فلا شرف أكبر من شرف نسبة العبد لخالقه، وكل ذلك رحمة منه -سبحانه- بهم. وسنذكر في هذا المقال الصفات التي وصفها الله -تعالى- لعباده حتى حظوا بهذه المرتبة العظيمة.
صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان
المشي بسكينة ووقار
قال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَـنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)؛ سَمْتُهم التواضع ولين الجانب مع من حولهم، بعيدين عن الزهو والغرور بما هم فيه من نعم، فالكِبر من أخطر الصفات التي تبعد الإنسان عن ربّه، ولا يمكن للمؤمن الحق أن يتصف به.
الابتعاد عن جدال الجاهلين
قال -تعالى-: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)؛فمن صفات عباد الرحمن أنّهم يحسنون التصرف مع من يسيء إليهم من السفهاء، ويقابلون السيئة بالحسنة، ويردون على الغضب ب الحِلم والصبر ؛ فالجدال مع هذا الصنف من الناس لا طائل منه، ولا يُفضي إلّا إلى ضياع الوقت والجهد.
كما أنّ المؤمن أرقى من أن يُشغل وقته بمثل ذلك، فضلاً عن أنّ خلقه الحسن قد يؤدي إلى توبة هؤلاء وتحسين خلقهم.
المحافظة على قيام الليل
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)؛وعباد الرحمن يحسنون علاقتهم بالله -تعالى-، كما يسنونها مع عباده؛ فهم يحافظون على صلاة قيام الليل ؛ ما بين سجود وركوع، وقيام ودعاء، وتلاوة للقرآن، واستغفار وخشوع، واتصال بربهم، ليتذوقوا حلاوة الإيمان في صفاء الليل وساعات تنزّل الله -جل وعلا- إلى السماء الدنيا.
التضرع للنجاة من عذاب النار
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)؛أيّ أنّهم يعيشون في ذكرٍ دائمٍ للآخرة، وتذكر دائمٍ للنار وما فيها من عذاب؛ ليبقوا أنفسهم على طاعة الله، وليزجروها بالتخويف من العذاب؛ فيرجون بذلك ربهم أن يصرفه عنهم، وأن يعينهم على الأسباب التي تنجيهم منه وتدخلهم الجنة و النعيم الأبديّ .
الاقتصاد في الإنفاق
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامً)؛ وهذه الآية الكريم تبيّن أنّ عباد الرحمن قدموا الوسائل الصالحة قبل التضرّع بالفوز والنجاة؛ فهم يحققون التوازن في حياتهم، فلا هم يبذخون ويبذرّون، ولا هم يقبضون أيديهم ويبخلون على أنفسهم وأهليهم، إضافة إلى مسارعتهم إلى تقديم الصدقات من أموالهم ابتغاء وجه الله -تعالى-.
إفراد الله بالعبادة
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)؛أيّ يعبدون الله وحده ولا يشركون به أحداً، ولا يتوكلون إلّا عليه؛ وفي ذكر هذه الآية الكريمة وسط كل ما سبق من صفات عباد الرحمن فيه إشارة إلى نفي الشرك عنهم؛ سواء أكان ظاهراً أم خفياً.
وهذه المسائل العقدية مما أكدّ القرآن الكريم عليها في كل موطن نعمة لعلّها تكون تنبيهاً للمفتونين في الأسباب، الذين ينسون المسبب الأساسي لها.
عدم قتل النفس البريئة
قال -تعالى-: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)؛ فعباد الرحمن يخافون ربّهم ولا يظلمون الناس، ويعرفون حرمة الدم، وأنّ قتل النفس يعدل قتل الناس جميعاً، فلا يتمّ قتل النفس إلّا بأمر أجاز الله -تعالى- قتلها بسببه.
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية قول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (أنَّ ناسًا مِن أهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فأكْثَرُوا، وزَنَوْا فأكْثَرُوا، ثُمَّ أتَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فقالوا: إنَّ الذي تَقُولُ وتَدْعُو لَحَسَنٌ، ولو تُخْبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: "والذينَ لا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذلكَ يَلْقَ أثامًا").
اجتناب الزنا
قال -تعالى-: (وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)؛إنّ الحذر من الوقوع في الشهوات ، وسلوك خطوات الشيطان من أهمّ صفات عباد الرحمن؛ فهم يحفظون جوارحهم ويحصنون فروجهم المحرمات؛ حتى لا ينزلقوا فيها ويعتادوها.
الإكثار من التوبة
قال -تعالى-: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا)؛ فهم على دأب في الرجوع إلى الله عن الذنوب، والقيام بالأعمال الصالحة ليتقربوا منه -سبحانه-؛ والتوبة الحقّة ما كان فيها ندم وعمل، وعدم الرجوع إلى تكرار ذلك؛ لذلك أكّد المولى على ذلك بقوله: (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا).
الترفع عن مجالس الزور
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)؛ والزور يشمل شهادة الزور الباطلة، والمجالس التي تقع فيها المعصية والمحرمات، وعباد الرحمن يبتعدون عنها ولا يدخلون فيها، وإن حصل ومرّوا بمجالس اللغو دون قصد فهم يعرضون عنها ويترفعون عن الخوض فيها، ويبتعدون عنها بأسرع وقت.
الاتعاظ بآيات الله
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)؛ أي يستجيبون لآيات الله ويتفكرون فيها، ويعملون على تطبيقها وامتثال ما فيها، ولا يدعونها تمرّ عليهم كالصم والعمي والذين لا يفقهون؛ "فهم قوم عقلوا عن الله، فانتفعوا بما سمعوا مِن كتاب الله".
الدعاء بصلاح الأهل والذرية
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)؛ فالمسلم حريص كل الحرص على صلاح أهله، وأزواجه وأولاده، ويدعو ربه بأن يكونوا قدوةً صالحة ، بل وقادةً للصالحين؛ وهذا مما ينفعه في الدنيا والآخرة.
الإكثار من الدعاء والتضرع
قال -تعالى-: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)؛فالدعاء هو صلة العبد بربه ومناجاته له، وفي هذه الآية يبيّن لنا رب العالمين أهمية الدعاء في حياة المؤمن، إذ إنّ التقوى والصلاح، ورغبة الوصول إلى مرتبة عباد الرحمن لا يمكن أن تكون دون انكسار العبد، والتذلل بين يدي ربّه ليعينه على ذلك.
ولولا الدعاء والحرص على الطاعة لكان العذاب اللازم؛ لأنّ المولى -سبحانه- لا يبالي بالعصاة، ولا يكترث لإعراضهم عنه -سبحانه-.