صفات عباد الرحمن في بعض الصحابة
صفات عباد الرحمن في بعض الصحابة
كان صحابة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأجيال على الإطلاق بما تحلّوا به من الصفات والأخلاق الحسنة، وبما بذلوه في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد تجسّدت في شخصيات هذا الجيل العظيم أنبل القيم، فقد كانوا بحق عبادًا للرحمن في صلاتهم، ونسكهم، ومحياهم، وجهادهم، وتعاملهم مع بعضهم ومع غيرهم، ونذكر بعض هذه الصفات فيما يأتي:
خلق التواضع
قال الله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، ولو تأمّلنا سِيَر الصحابة لوجدناهم مثالًا في هذا الخلق الكريم الراقي، ومن الأمثلة على ذلك الخلفاء الراشدون الذين كانوا خير الخلق بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى الرغم من توليهم للخلافة إلّا أنّ ذلك لم يبعث على التكبّر أو العجب في نفوسهم، ومن الأمثلة على ذلك:
- تواضع أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-
كان أبو بكر -رضي الله عنه- قبل الخلافة يحلب لجيرانه غنمهم، حتّى إذا صار خليفة أصبح غادياً إلى السوق يبتغي رزق أهله، فقال ناسٌ من الحي: الآن يمتنع أبو بكرٍ عمّا كان يقوم به، ولكن أبا بكر لم يفعل ذلك، بل ظلّ يحلب غنم الحي كما كان ولم يتغير مع النّاس بعد خلافته.
- تواضع عمر الفاروق رضي الله عنه
كان عمر -رضي الله عنه- يحمل قربة الماء على عاتقه حتّى يزيل الزهو من نفسه إذا جاءه الوفود، وكان عروة -رضي الله عنه- يقول له: " يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة فأردت أن أكسرها".
- تواضع عثمان -رضي الله عنه-
كان عثمان -رضي الله عنه- ينام وهو خليفةٌ في المسجد حتّى يُرى أثر الحصى على جانبه، وكان -رضي الله عنه- يأتي بماء الوضوء في الليل بنفسه، فقيل له: "لو أمرت بعض الخدم فكفوك"، فكان يقول: "لا، الليل لهم يستريحون فيه".
- تواضع علي -رضي الله عنه-
كان علي -رضي الله عنه- يشتري لحماً بدرهم، ثمّ يضعها في ملحفته، فيقول له الصحابة: "هلمّ نحمل عنك يا أمير المؤمنين"، فيقول: "صاحب العيال أحق أن يحمل"، ورُئي مرة وهو يلبس إزاراً مرقوعاً، فسُئل عن ذلك، فأجاب أنّ هذا اللّباس يقتدي به المؤمن، ويحصل به خشوع القلب.
الحرص على العبادة وقيام الليل
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- من أحرص الناس على أداء العبادات ، وكانوا يتلذّذون في أدائها، ويتنافسون في الخيرات، فيقول أحدهم: "واللهِ لولا قيامُ الليل ما أحببتُ الدنيا"، وكان أبو هريرة يُقسّم الليل أثلاثاً؛ يُقيم ثُلثاً، وتقوم امرأته الثلث الآخر، ويقوم خادمه ثُلثاً، وهذا حالهم دائماً.
الوسطية في المنهج
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقتدون برسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يحب الوسطية في حياته، فلا إسراف يصل بالإنسان إلى حدّ التبذير، ولا تقتير يهلك النفس ويعذبها، وقد تناهى إلى مسامع النبي الكريم يوماً أنّ نفراً من الصحابة قد نذروا أنفسهم للعبادة والانقطاع إليها، فنهاهم عن ذلك مبيناً أنّه يصوم ويفطر، ويقوم ويرقد، ويتزوج النساء.
البعد عن اللغو والإعراض عن الجاهلين
كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتركون فضول الكلام إلّا ما كان في كتاب الله -تعالى- أو سنة نبيّه أو ما يخصّ معيشتهم، ومن الأمثلة على ذلك أنّ رجلاً من تلى وراء عليّ -رضي الله عنه- وهو يصلّي قول الله -تعالى-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فردّ عليه عليّ بقوله -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)، وتجاهله ولم يُعاقبه.