صفات المنافقين
النفاق
بيّن علماء اللغة أن كلمة النفاق مشتقة من النفق؛ وهو السرب في الأرض، وسبب التسمية أن المنافق يستر كفره ويخبّئه، فيتشبه بالذي يدخل للنفق ليستتر فيه، ويمكن تعريف النفاق اصطلاحاً على أنه إظهار القول باللسان أو الفعل بخلاف ما يعتقد القلب، أو إظهار الإيمان وستر الكفر، وقد ظهر النفاق في المدينة المنورة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذر منه الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أشد التحذير، حيث ذُكر النفاق والمنافقون في أكثر من نصف سور القرآن الكريم .
وقد بيّن الله -تعالى- حقيقتهم في سبع عشرة سورة مدنية ، وهو ما يقارب 340 آية من القرآن الكريم، وكما قال ابن القيم رحمه الله: (كاد القرآن كله أن يكون في شأنهم)، ومما يدل على خطورة النفاق والمنافقين، أن الله -تعالى- افتتح أكبر سورة في القرآن الكريم وهي سورة البقرة بذكر صفاتهم، حيث ذكر الله -تعالى- المؤمنين بأربع أيات، والكفار بآيتين، أما المنافقون فذكرهم بثلاث عشرة آية، وعلى الرغم من كثرة أعداء الإسلام الخارجيين وتنوّعهم من يهود، ونصارى، ورافضة وغيرهم، إلا أن الله -تعالى- قال عن المنافقين: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ).
صفات المنافقين
يُعدّ المنافقون أخطر الفئات على المجتمع الإسلامي، إذ إن ضررهم يفوق ضرر أعداء الأمة الظاهرين، ولذلك حذر الله -تعالى- منهم في الكثير من آيات القرآن الكريم، وبيّن لعباده صفاتهم، ويمكن بيان بعض صفات المنافقين فيما يأتي:
- مرض القلب : فقد بيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم أن قلوب المنافقين مريضة، حيث قال: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)، وفي الحقيقة أن السبب في المرض الذي أصاب قلوبهم هو جبنهم عن التصريح بما في قلوبهم من إنكارٍ للحق ، واتباعٍ للباطل، فلا هم قادرون على إعلان إيمانهم بشكل واضح وصريح، ولا هم قادرين على مواجهة أهل الإيمان وإعلان موقفهم الحقيقي من إنكار للحق.
- السفاهة والزيف: وصف الله -تعالى- المنافقين بالسفَه، حيث قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ)، فالمنافقون يعتبرون الإيمان بالله -تعالى- والإخلاص له -سبحانه- نوع من السفاهة، وفي الحقيقة أن نظرتهم هذه قمة السفاهة والانحراف.
- الإفساد وزعم الإصلاح: على الرغم من فساد المنافقين وحربهم على كل شيء فيه خير، وسعيهم للإفساد في الأرض، إلا أنهم يزعمون الإصلاح والسعي إلى ما فيه مصلحة للناس، ولكن الله تعالى بيّن حقيقتهم، وفضح سريرتهم، وأكّد لعباده أن هؤلاء هم المفسدون، حيث قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ)، حيث إن ميزان المنافقين بين الخير والشر قد اختل بسبب بعدهم عن منهج رب العالمين، وإعراضهم عن المقياس الرباني الصحيح.
- رفض حكم الله والتحاكم إلى الطاغوت: لأن إيمان المنافقين مجرد ادّعاء باللسان، ومخالفٌ لما في قلوبهم من الشك والتكذيب، فإنهم يرفضون شرع الله -تعالى- ويحاربونه بكل ما أُوتوا من القوة، لا سيّما أن حكم الله -تعالى- يعارض مصالحهم الدنيوية، ولا يحقق أهواءهم ورغباتهم، بينما يقدّسون القوانين الوضعية التي اخترعتها عقول البشر، ويلتزمون بها، ويتخذونها ديناً لهم؛ لأنها توافق أهواءهم ومصالحهم، وقد بيّن الله -تعالى- صفتهم هذه في القرآن الكريم حيث قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ).
- الخدِاع والتآمر: من صفات المنافقين الجُبن، واللؤم، والخسّة، والخبث، والمكر، حيث يتلوّنون كما تتلوّن الحرباء، ويحاولون خِداع المؤمنين من خلال إظهار الإيمان أمامهم، وسرعان ما يظهرون على حقيقتهم الوضيعة، ويخلعون ثوب الإيمان عند لقائهم بالكفار وأمثالهم من المنافقين، وهدفهم من ذلك الإيقاع بالمؤمنين، وإلحاق أكبر قدر من الأذى بهم، وقد بيّن الله -تعالى- صفتهم هذه في القرآن الكريم حيث قال: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ).
- الإرجاف والتولّي يوم الزحف: ومن أخطر صفات المنافقين في المحن والشدائد التي تعصف بالأمة الإسلامية؛ الإرجاف، والتخويف، وتهبيط الهمم، وتثبيط العزائم، فهم دائماً ما يسعون إلى شتات الأمّة ، وتفريق الصفوف، وإثارة الفتن، ليحاولوا تحقيق ما عجز الأعداء عن تحقيقه، وعند الشدة والبلاء والتحام الصفوف، يكونون أول الخائرين، المنسحبين، الهاربين، حيث يفرّون من أي مواجهة في أي ساحة من ساحات القتال، مصداقاً لقول الله تعالى: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ).
- إعطاء التصورات الخاطئة عن أعداء الإسلام: حيث يحاول المنافقون إعطاء انطباعات ومعلومات خاطئة عن أعداء الأمّة؛ بهدف تضليل المؤمنين عن حقيقة عدوّهم، وحتى لا يكونوا على بصيرة ودراية بأحوال الأعداء.
- التجسس وخدمة العدو الخارجي: غالباً ما يرتبط المنافقون بالعدو الخارجي ارتباطاً وثيقاً، وينقلون إليه كل المعلومات التي تتعلق بنشاطات المسلمين وقادتهم البارزين، وإمكاناتهم العسكرية، ولذلك وعدهم الله -تعالى- بالدرك الأسفل من النار حيث قال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).
الوقاية من النفاق والمنافقين
بعد معرفة صفات المنافقين، والوقوف على خطرهم، ينبغي للمسلمين الوقاية منهم، وفيما يأتي بيان بعض الوسائل للوقاية منهم:
- معرفة صفاتهم وأساليب كيدهم من القرآن الكريم.
- البراءة ممن ظهر عليه علامات النفاق، وقام بأعمال المنافقين، واجتناب موالاتهم.
- عدم الثقة بأقوالهم، ووضعهم موضع الشك، والحذر من فتنهم وإرجافاتهم، فهم دائماً ما يسعون للفساد في صفوف المسلمين ، والأصل سوء الظن فيهم.
- إحسان الظن بالمؤمنين، وعدم الالتفات إلى ما يتّهمهم به المنافقون، فقد قال تعالى: (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ).
- منعهم من الوصول إلى المراكز المهمة وإخراجهم من صفوف المسلمين.
- البعد عن الاتّصاف بصفات المنافقين، والتخلّق بصفات المؤمنين.
- الدعاء ، والصدق، والإكثار من ذكر الله تعالى.