صفات المؤمن القوي
الصفات الدالة على المؤمن القوي
اتّصف الله -سبحانه- بصفات الكمال، وحث الناس على الاتصاف بها، فهو كريم يحب الكرماء، عليم يحب العلماء، جميل يحب الجمال، رحيم يحب الرحماء، قوي يحب الأقوياء، وجاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)، ويُراد بالقوة هنا العزيمة، والإقدام، والتحمل، والجلد في سبيل الله، والمبادرة على الخير، وفيما يأتي بيانٌ لصفات المؤمن القوي.
طاعة الله تعالى واجتناب نواهيه
إنّ قيام المسلم بطاعة ربّه والالتزام بما فرضه عليه وما نهاه عنه سببٌ للفوز في الدنيا والآخرة، يقول الله -سبحانه-: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، فمراقبة المسلم لله في أفعاله وأقواله يكون سبباً لتوفيقه لصالح الأعمال وتقويته، فيُقبل على الطاعة وهو يعلم أن الله سيكفّر ذنوبه بها، وبهذا يكون المسلم قوي لاتّصاله بالله الذي هو مصدر ثقته وقوته.
اتباع نهج النبي
جعل الله -سبحانه- اتّباع النبي سبباً لمحبته -عز وجل-، إذ يقول في كتابه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله)، ف المؤمن القوي يحرص على أن يكون محبوباً من الله -جل وعلا-، وبقدر اتّباعه لهدي النبي وسنّته ونهجه تكون هذه المحبة، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- في مسابقةٍ دائمةٍ للعمل بما جاء به النبي والانقياد بأمره.
الدفاع عن الدين الإسلامي
على المؤمن القوي أن يستخدم قوته وشجاعته في الدفاع عن أمّته، بالكلمة والقلم والقول والعمل، وبمحاربة أعدائه، فيتقدم في مواطن الإقدام، ويثبت في مواطن الثبات، وقد روى أنس بن مالك عن قوة وشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وأَجْوَدَ النَّاسِ، وأَشْجَعَ النَّاسِ، قالَ: وقدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَرَسٍ لأبِي طَلْحَةَ...)
الاجتهاد في تحصيل أعلى مراتب العبادة
يقول -سبحانه- في كتابه: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ)، وذكر جمعٌ من المفسرين أنّ المقصود بالآية الكريمة أنّ الله -سبحانه- أعطى داود -عليه السلام- قوّة في الطاعة، إذ كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر، وقد ذُكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أقوى المؤمنين بالطاعة أنه: (قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فقِيلَ له: غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قالَ: أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).
قوة البصيرة والفطنة
يقول النووي في ذلك: إن المؤمن الممدوح هو العاقل الحازم الذي لا يسمح لأحد أن يستغفله، ويخدعه مرة بعد مرة، فيجب أن يكون حكيماً صاحب بصيرة، يتنبّه للأمر من أول مرة، وورد في هذا المعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ).
حب الخير للغير كحب الخير لنفسه
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ، وذكر منها:أَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّه)، فالحب في الله والبغض في الله: هو من أوثق عرى الإيمان، وهو مصدر التوافق والتلاؤم في المجتمع المسلم ودوام تآلفه، ففيه يتحابّون ويتوادّون ويتراحمون فيما بينهم، فتكون محبة أولياء الله لأجل محبّته لهم، وليس طمعاً في الدنيا ومصالحها، وبهذا يجد المؤمن الحلاوة في إيمانه، بأن يعادي ويحبّ ويبغض في الله ولله .
الأدلة الشرعية الدالة على صفات المؤمن القوي
وردت العديد من الأدلة الشرعية التي تدلّ على صفات المؤمن القويّ ، منها ما يأتي:
- يقول -سبحانه وتعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ).
- عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- أنه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو علَى المِنْبَرِ يقولُ: {وَأَعِدُّوا لهمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ}، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ).
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُقدَّسُ أمَّةٌ لا يُقضَى فيها بالحقِّ، ولا يأخُذُ الضَّعيفُ حقَّه مِن القَويِّ غيرَ مُتعْتَعٍ).
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا).
فضل المؤمن القوي على الضعيف
إن كل مَنْ يُحقّق أركان الإيمان فيه خير عظيم، ولكن الناس بالطبع يتفاوتون في الفضل والأجر، فكلما كان المؤمن أقوى كان لله أقرب وأعظم منزلة، ولذلك جاء الأمر بأخذ هذا الدين بقوةٍ وعزيمة، وذمّ التراخي، كما قال -تعالى- لنبيّه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، والقوة هنا تشمل جميع جوانب المؤمن، فهو قوي في توحيده، وقوي في صلاته، فيحافظ عليها في وقتها، ويتبعها بالنوافل والصدقات، وقوي في دنياه في طلبه للكسب الحلال وتعامله مع مجتمعه المسلم كما يرضاه الله عز وجل.
وبذلك يكون تأثير المؤمن القوي أعظم عند الناس وأدعى للقبول في حال الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على خلاف المؤمن الضعيف الذي لا يستطيع أن يكون صاحب كلمةٍ عند غيره ، فهو يغلب عليه طابع الاستسلام، فصاحب الصفّ الأخير لا يكون تأثيره كصاحب الطليعة وصاحب الكلمة المسموعة، فربما تطاولوا على الضعيف أو سخروا منه، فهو مسكين ضعيف لا حيلة له.
أسباب زيادة الإيمان وتقويته
إن العبد المؤمن الذي يرتجي توفيق الله -تعالى- له، يظلّ ساعياً في تحقيق الإيمان قولاً وفعلاً، وهذا لا يكون إلا بمعرفة أسباب زيادة الإيمان والعمل بها، فمن الأسباب التي تدفع المؤمن لزيادة إيمانه ما يأتي:
- الحرص على تعلم العلم النافع: وهو العلم المستمد من مصادره الصحيحة من الكتاب والسنة المشرفة، حيث يأخذ منهما مسائل العقيدة، والحلال، والحرام، والتفقه في دين الله عز وجل، فهذا من شأنه أن يرفع شأن صاحبه ويقربه إلى ربّه، قال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْه في الدينِ)، فمن وفّق لتلقّي هذا العلم فقد وُفّق إلى خير عظيم وكذلك إلى أهم أسباب زيادة الإيمان.
- التفكر في آيات الله: إن التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته من جبالٍ، وأنهارٍ، وتقلّب الليل والنهار، والمحيطات، وغيرها الكثير مما أبدع الله عز وجل، والتمعّن والنظر فيها ليس له إلا أن يقوّي إيمان صاحبه؛ لأن هذا التفكّر يرسّخ الإدراك بعظمة خالق هذا الكون وقدرته، فيزداد القلب إجلالاً وتعظيماً وتقديراً لفضل الله ونِعَمه.
- الاجتهاد في العمل الصالح: إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان وقوّته؛ التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والمداومة عليها، والإكثار منها، فلا شك أن المؤمن المخلص لله -تعالى- في أعماله سينال الفضل العظيم والرفعة العالية، فالإيمان يزيد بكثرة العبادات وزيادة الأعمال الصالحة.
ملخص المقال: إن للمؤمن القوي زيادة فضل على المؤمن الضعيف، وإن كان في كلاهما الخير، وقد تعددت الصفات الدالة على المؤمن القوي من اتّباع أوامر الله -تعالى- وأوامر نبيه، والفطنة، والبصيرة، والدفاع عن الدين الإسلامي، وحب الخير، والاجتهاد في تحصيل أعلى مراتب العبادة، وهذه الصفات دعت إليها الأدلة الشرعية، كما حثّت المؤمن على تقوية إيمانه وزيادته.