صفات الأنبياء والرسل
صفات الأنبياء والرسل
يتصفُّ الأنبياءُ والرُّسل بالعديدِ من الصِّفاتِ التي تَقتضيها وظيفتُهم في التّبليغ، وفيما يأتي ذكرها:
- الصدق: وتكونُ ملازمةً للأنبياء والرسل قبل الهجرة وبعدها، فمن المُستحيل أن يَبعث الله -تعالى- كذّاباً، فقد قال -تعالى- عن نبيّه إبراهيم -عليه السلام- : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)، وكذلك بقيّة الأنبياء، كما كان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يُلقَّب قبل بعثتهِ بالصادقِ الأمين، ولم يُذكر عنه الكذب أبداً.
- الأمانة: وهي صفةٌ مُلازمةٌ لِصفة الصدق، فلا يُعقل أن يكون الصادقُ خائناً، كما لا يُعقل أن يَستأمن الله -تعالى- على رسالتهِ خائناً، وتشمل هذه الصفة الكثير من الفضائل؛ كالمُحافظةِ على حُقوقِ الناس، وتبليغ الدّين، وكتمان السر، وغير ذلك، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، ولو فُقدت هذه الصفة عن الرُّسل لضاعَ الغرض من الرّسالةِ؛ وهو التّبليغ والصلاح، ومن كمال أمانتهم تبليغهم الرّسالة الإلهيّة كما أُنزلت إليهم.
- الفِطنة: وهي الذكاء، وذلك من خلالِ إقناع الرسول للنّاس بدعوتِه، وإزالة الشُّبهات حولَه وحول رسالتِه، وإقامةِ الحُجّة على غيرِه، ومن مواقف الفِطنة في القُرآن الكريم قولهِ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
- العِصمة: وهي البُعد عن المعاصي والنَّقائص، وكذلك عصمتهم فيما يبلّغونه عن الله -تعالى-، والتّبليغ إلى النَّاس، وكذلك العِصمة بعدمِ نسيان أي شيء من أُمور الدّعوة، لقولهِ -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)، فالأمر لا يستقيم بغير العِصمة؛ فبغيرها يَنتُج الخطأ في الرّسالة أو في بعضها، بالإضافةِ إلى عصمتهِم من الذُّنوب؛ كبيرها وصغيرها، بِعمدٍ أو بغير عمد، في الظّاهر والباطن، فلو حصل منهم الخطأ والمعاصي لانتفت عنهم القُدوة للنَّاسِ.
- خير البشر وأفضلهم: فأنبياء الله ورُسُله -عليهم السّلام- هم أفضل خلق الله وأكثرهم عِلماً، وهم كذلك أقواهم إيماناً بالله وأكثرهم عبادةً له، وأحسن الناس أخلاقاً وتواضعاً، قال الله -تعالى- في وصف أخلاق نبيّ الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). وهم أنقى الناس سريرةً، وأطهرهم قلوباً، ويتميّزون جميعهم بالرّحمة ، والأخلاق الحسنة، والصبر، وتحمّل الشدائد والأهوال، قال -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
ما يجوز في حق الرسل
يجوزُ في حقِّ الرُّسل جميعُ الأعراض البشريّة التي لا تُنقصُ من مرتبتِهم ومكانتِهم، كما يجوزُ عليهم ما يجوزُ على باقي البشر من الصِّفاتِ العاطفيّة والغريزيّة في حُدودِ مكانته كرسول؛ كالأكلِ، والشُّربِ، والزّواج، والفرح، والغضب، والمرض، وغير ذلك، فهم يَختلفون عن البشرِ في الوحي فقط، لِقولهِ -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، وأمّا الصّفات التي تَضرُّ برسالتِهم فلا يُمكن الإصابة بها؛ كالجُنون، أو الجُذام، أو الأمراض المنفِّرة، وما قيل عن نبي الله أيوب -عليه السلام- بإصابته بمرضٍ مُنفرّ غيرُ صحيح ولم يثبت.
وأمّا السهو والنسيان فلا يجوزان عليهم إلّا فيما يتّصل بأمرِ تشريع، كسهوِ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة لتعليمِ الأمّة، فيجوزُ في حقِّهم كُلُّ وصفٍ لا يَلزم منه النَّقص فيهم أو برسالتهم، ويكون اتّصافهم بها على سبيلِ التشريع، وبياناً لفضلهم، والتّنبيه على انحطاط مقدر الدُّنيا عند الله -تعالى-، وعدم رضاهُ بها لأنبيائهِ ورُسلِه.
خصائص الأنبياء والرسل
يُعدُّ الأنبياءُ والرُّسل بشراً من البشر يحتاجون لما يحتاجُ إليه البشر، ويُصيبهم ما يُصيب البشر؛ كالمرضِ والموت، ولكنَّهم بَلغوا الكمال البشريّ في الخِلقةِ والأخلاق، واصطفاهم الله -تعالى- من خلقِه، وليس لهم من خصائص الرُّبوبيّة أو الألوهيّة شيء، وأعطاهم الله -تعالى- من العقلِ واللِّسان ما يُؤهّلهم لتحمُّلِ أعباءِ الدّعوة، وخصَّهم اللهُ -تعالى- بالوحي، كما أنَّهم يَتحلُّون بالصّدقِ فيما يُبلّغونه من أمورِ الدّين، ويَتحلّون بالصّبرِ فيما يُلاقوه من أصنافِ الأذى من المُكذّبين من أقوامِهم.
وقد أيََّدهم الله -تعالى- بالمعجزاتِ الدَّالةِ على صدقِهم، وجعلهم قادرين على تَحمُّل الأمانة العظيمة التي أشفقت من حَملها السماوات والأرض، واختارهم الله -تعالى- جميعهم من البشر الأحرار الذُّكور، وخصَّهم بنومِ أعينهم من غير نوم قُلوبهم، ويُخيَّرون عند موتِهم بين الدُنيا والآخرة، ويُقبرون حيثُ يموتون، وقد حرَّم الله -تعالى- على الأرضِ أن تأكُل أجسادهم، فيبقون أحياءً فيها.