صحة حديث (لخلفة فم الصَّائم)
صحة حديث: (خُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ)
نص الحديث وتخريجه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ)، وهذا الحديث بهذا اللفظ صحيح واللفظ لمسلم، وفي صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).
شرح الحديث
في هذا الحديث العديد من الجزيئات والفوائد، ومنها:
- (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له)
أي أن أعمال ابن آدم فيها حظٌ ومدخلٌ لاطّلاع الناس عليه؛ فقد يأخذ على عمله ثوبًا معجلًا من الناس، وقد يكون له به حظٌ من الدنيا؛ كالشهرة والشرف والمال وغيرها.
- (إلا الصيام)
فإنه لله خالصاً، ولم يبيّن لنا الله في هذا الحديث ثواب الصيام على خلاف باقي العبادات، فقد أخبرنا -سبحانه- أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، قال الله -عز وجل-: (إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به)، ولما كان ثواب الصيام لا يحصيه إلا الله -تعالى- لم يكله إلى الملائكة، بل تولى جزاءه بنفسه، والله -تعالى- إذا تولّى شيئًا بنفسه دل ذلك على عظم قدر ذلك الشيء.
- (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ)
يقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالذي روحه بيده؛ وهو الله -سبحانه وتعالى- بأن رائحة فم الصائم بسبب خلاء معدته من الطعام، أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم أعلى من غيرها.
- (عند الله)؛ وهذا من أعلى المقامات.
- (لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ)
خلوف فم الصائم أجمل من أجمل العطور؛ لأن الصوم من أعمال السر التي بين العبد وربه، لا يستطيع أحدٌ الاطلاع على صحته، وفي هذا إثبات الكرامة والثناء الحسن عند الله.
الفرق بين خُلْفَةُ وخُلُوفُ
لم يفرق ابن منظور في لسان العرب بين خلفة وخلوف؛ فقال: الخلفة بالكسر: تغير ريح الفم، وهي الرائحة الحديثة بعد الرائحة الأولى، وخلف فمه يخلف خلفةً وخلوفاً؛ قال أبو عبيد: الخلوف تغير طعم الفم لتأخر الطعام.
الصوم انعقاد واستشعار النية
الصوم لا يظهر من ابن آدم في قول أو عمل، وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله، وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما يكتبون الذكر والصلاة والصدقة، وسائر الأعمال الظاهرة؛ فالصوم ليس إمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية، بل أن ينوي بتركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله، ورغبته فيما ندب إليه قربة من الله، وإيماناً واحتسابًا.
وقد يخجل الإنسان أو يتأذى من تغيير رائحة فمه بسبب الصيام، وقد رفع الله عنه الحرج بأن زكّى تلك الرائحة التي تخرج من فمه بسبب الصيام، فالصوم تربية للنفس ورياضة لها، وحريٌ بالإنسان الصائم أن يحمد الله على أن أعانه على الصيام، وأن يطلب منه العون في جميع أمور حياته؛ فهو ولي ذلك والقادر عليه.