صحة حديث (اغتنم خمسًا قبل خمس)
صحة حديث (اغتنم خمساً قبل خمس)
روى عبد الله بن عباس ، وعمرو بن ميمون -رضي الله عنهما-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح أنّه قال: (اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حَياتَك قبلَ موتِك، وصِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، وفراغَك قبلَ شُغْلِك، وشبابَك قبلَ هَرَمِك، وغِناك قبلَ فقرِكَ).
وقد جاء تصحيح الحديث النبوي الشريف من قبل الألباني في كتابه صحيح الجامع، وفي صحيح الترغيب والترهيب، أمّا الحويني في كتابه تنبيه الجاهد قال في الحديث: "فالصحيح أنّ الحديث معلّ بالمخالفة".
الكتب الوارد فيها الحديث
روى الحديث النبوي الشريف الإمام الحاكم -رحمه الله- في كتابه المستدرك، والبيهقي -رحمه الله- في كتابه شعب الإيمان عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وصحّحه الإمام الألباني في كتابه صحيح الجامع الصغير.
شرح الحديث
خلق الله -سبحانه وتعالى- الخلق لحكمة عظيمة، قال فيها -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ) ، فليست الغاية من الخلق أن يطعموا الله ويسقوه -حاشاه-، وإنما عبادة الله ليطعمهم هو ويسقيهم، وتتحقق العبادة من خلال القيام بالطاعات والمسارعة فيها، واغتنام الحياة كلّها فيها.
وقد جاء اللفظ في بداية الحديث بالاغتنام؛ دلالة على المسابقة والمسارعة للقيام بأمر الله -تعالى-، تحقيقاً لقوله: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .
وفي لفظ الاغتنام دلالة على الأمر الذي يمضي ويفوت، فإن لم يدركه صاحبه ويسارع إلى القيام به وتأديته؛ فقد فاتته هذه الفرصة وكان من المضيعين لها ثمّ ندم عليها، والغنيمة من الغنم والاغتنام وهو الفوز بالشيء من غير مشقّة فيه.
ثم ذكر نصّ الحديث: خمساً قبل خمس، فقد أجملها في البداية ثمّ قام بتفصيلها، وذلك من باب التشويق والتمهيد، وكون ذلك الأسلوب يكون أثبت في القلب من غيره.
ومما يؤيد ما ورد في الحديث الشريف ما رواه أبو برزة الأسلميّ -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ).
وصايا الحديث
أمّا الأمور التي أوصى الحديث النبوي باغتنامها والمسارعة إلى القيام بها، فهي على النحو الآتي:
- الحياة قبل الموت
فإن الإنسان في الحياة كالغريب أو المسافر، يحرص على التزود منها بما ينفعه ويكون معيناً له بعد موته، كما يحرص المسافر على التزود في الاستراحة لما يعينه على إكمال المسير في سفره.
والإنسان يوم القيامة يعرف قدر الوقت الذي وهبه الله في حياته ثمّ إنّه كان من المضيعين له، فيندم يوم لا ينفعه ندمه، فليحرص المسلم على اغتنام أيام حياته بالطاعات قبل أن يحول الموت بينه وبينها، فينقطع حينها العمل، ثمّ إنّ أعرابياً سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (يا رسولَ اللَّهِ مَن خيرُ النَّاسِ؟ قالَ: مَن طالَ عمرُهُ، وحَسُنَ عملُهُ).
- الصحّة قبل المرض
فإنّ المرض هو مصير كلّ صحيح،فليحرص المسلم على اغتنام وقت صحته للقيام بالطاعات والقربات، قبل أن يمرض فيكون المرض حائلاً بينه وبين القيام بما يكسبه الأجر والثواب.
- الفراغ قبل الانشغال
إن الفراغ الذي يعيشه الإنسان في الوقت الحالي قد ينتهي في لحظة، ويصير الإنسان إلى الانشغال الذي يمنعه من الطاعات؛ التي لربما لو استغل وقت فراغه وقام بها كانت له نجاةً من النار وفوزاً بالجنّة.
وكما وصف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الفراغ بأنّ الناس مخدوعين به، فقال: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ)، وهذه وصية لاغتنام الحياة الدنيا قبل الانشغال بأهوال يوم القيامة وأولها القبر، ولعلّ هذا الاغتنام ينجّي من العذاب.
- الشباب قبل الهرم
إذا صار الإنسان كبيراً في السنّ لم تعد قدرته تعينه على القيام في الطاعات كلّها، فيصيبه الندم على ما كان قادراً على القيام به لكنّه فرّط بذلك، ثمّ إن القيام بالطاعات في فترة الشباب يقوّي المسلم على القيام بالمزيد منها، ويدفعه إلى الاستمرار، ويمنحه القوّة والنشاط في بدنه.
- الغنى قبل الفقر
إنّ المال معرض في كلّ لحظة إلى الزوال، فليحرص المسلم على الإنفاق منه واكتساب الأجر قبل أن يزول؛ فيخسر الأجر الذي يأتيه مما أنفق.