شعراء المناسبات
شعراء المناسبات
شعر المناسبات؛ هو كل شعر اقترن بمناسبة دينية أو وطنية أو قومية أو غيرها، أيّ أنّ هذا النوع من الشعر يُنظم من أجل مناسبة معينة، ومن أهم شعراء المناسبات ما يأتي:
المتنبي
عُرف الشاعر أبي طيب المتنبي في قصائد المديح بسيف الدولة الحمداني وانتصاراته، إذ مدحه بمناسبات وأحداث عديدة، فتميز شعره بالفخر والمدح واستخدام الألفاظ ذات المعاني الدالة على الشجاعة والإقدام بأسلوب إبداعي، ومن أشعاره في ذلك قصيدته التي يمدح فيها شجاعة سيف الدولة أمام الروم، إذ قال:
ذي المَعالي فَليَعلَوَن مَن تَعالى
- هَكَذا هَكَذا وَإِلّا فَلا لا
شَرَفٌ يَنطِحُ النُجومَ بِرَوقيـ
- ـهِ وَعِزٌّ يُقَلقِلُ الأَجبالا
حالُ أَعدائِنا عَظيمٌ وَسَيفُ الـ
- ـدَولَةِ اِبنُ السُيوفِ أَعظَمُ حالا
كُلَّما أَعجَلوا النَذيرَ مَسيرًا
- أَعجَلَتهُ جِيادُهُ الإِعجالا
فَأَتَتهُم خَوارِقَ الأَرضِ ما تَحـ
- ـمِلُ إِلّا الحَديدَ وَالأَبطالا
خافِياتِ الأَلوانِ قَد نَسَجَ النَقـ
- ـعُ عَلَيها بَراقِعًا وَجِلالا
البحتري
تميز البحتري بشعر المديح و أغراض شعرية أُخرى، وتميز بحسن تصويره والإيقاع الموسيقي الذي يُعبر عن مناسبة القصيدة، وتنوعت الأساليب الفنية واللغوية، وهو عندما يمدح الممدوح بمناسبة معينة يذكر في القصيدة خصاله ويُعظمه ويُفخّم به، وإذا رثى أحدهم، أوحت الألفاظ والمعاني التي يستخدم بشدة الألم واليأس، ومن الأمثلة على ذلك قصيدته برثاء المتوكل بعد وفاته، إذا قال:
أَكانَ وَلِيُّ العَهدِ أَضمَرَ غَدرَةً
- فَمِن عَجَبٍ أَن وُلِّيَ العَهدَ غادِرُه
فَلا مُلِّيَ الباقي تُراثَ الَّذي مَضى
- وَلا حَمَلَت ذاكَ الدُعاءَ مَنابِرُه
وَلا وَأَلَ المَشكوكُ فيهِ وَلا نَجا
- مِنَ السَيفِ ناضي السَيفِ غَدراً وَشاهِرُه
لَنِعمَ الدَمُ المَسفوحُ لَيلَةَ جَعفَرٍ
- هَرَقتُم وَجُنحُ اللَيلِ سودٌ دَياجِرُه
كَأَنَّكُمُ لَم تَعلَموا مَن وَلِيُّهُ
- وَناعيهِ تَحتَ المُرهَفاتِ وَثائِرُه
وَإِنّي لَأَرجو أَن تُرَدَّ أُمورُكُم
- إِلى خَلَفٍ مِن شَخصِهِ لا يُغادِرُه
مُقَلِّبِ آراءٍ تَخافُ أَناتُهُ
- إِذا الأَخرَقُ العَجلانُ خيفَت بَوادِرُه
أبو العتاهية
كثرت المناسبات في عهد هارون الرشيد، مما وفّر الفرصة لكثير من الشعراء لمدحه وكتابة قصائد متنوعة ، وكان من بينهم أبو العتاهية، فتميز شعره الذي قيل بمناسبات مختلفة بجمال الوصف والتعبير والصياغة القوية والخيال الواسع، وسرعة البديهة، واتصل بالخلفاء السابقين، مثل: المهدي والهادي، ولكن كان عصر الرشيد نقطة تحول في نظم الشعر عنده، ومن القصائد التي مدح بها الرشيد بإحدى المناسبات:
جَرى لَكَ مِن هارونَ بِالسَعدِ طائِرُه
- إِمامُ اعتِزامٍ لاتُخافُ بَوادِرُه
إِمامٌ لَهُ رَأيٌ حَميدٌ وَرَحمَةٌ
- مَوارِدُهُ مَحمودَةٌ وَمَصادِرُه
هُوَ المَلِكُ المَجبولُ نَفساً عَلى التُقى
- مُسَلَّمَةٌ مِن كُلِّ سوءٍ عَساكِرُه
لِتُغمَد سُيوفُ الحَربِ فَاللَهُ وَحدَهُ
- وَلِيُّ أَميرِ المُؤمِنينَ وَناصِرُه
وَهارونُ ماءُ المُزنِ يُشفى بِهِ الصَدى
- إِذا ما الصَدِي بِالرِيقِ غَصَّت حَناجِرُه
وَأَوسَطُ بَيتٍ في قُرَيشٍ لَبَيتُهُ
- وَأَوَّلُ عِزٍّ في قُرَيشٍ وَآخِرُه
وَزَحفٍ لَهُ تَحكي البُروقَ سُيوفُهُ
- وَتَحكي الرُعودَ القاصِفاتِ حَوافِرُه
إِذا حَمِيَت شَمسُ النَهارِ تَضاحَكَت
- إِلى الشَمسِ فيهِ بَيضُهُ وَمَغافِرُه
إِذا نُكِبَ الإِسلامُ يَوماً بِنَكبَةٍ
- فَهارونُ مِن بَينِ البَرِيَّةِ ثائِرُه
وَمَن ذا يَفوتُ المَوتَ وَالمَوتُ مُدرِكٌ
- كَذا لَم يَفُت هارونَ ضِدٌّ يُنافِرُه
أحمد شوقي
إنّ أمير الشعراء أحمد شوقي من أكثر الشعراء الذين نظموا الشعر بمناسبات مختلفة، مثل: المديح والرثاء والدعوة إلى الوحدة العربية والحق وغيرها، إذ قال شوقي ضيف عن ذلك: "أنّ شوقي قد غنّى للشعب المصري، عواطفه الوطنية الماضية والحاضرة، غناءً ملك عليه لبه"، فصوّر شوقي بأشعاره الأبطال المصريين والعرب، وعبّر عن آمالهم وآلامهم، كما أنّه مدح الخديوي في كثير من المناسبات، منها عيد مولده وإنجازاته.
في ضوء ما سبق، فإنّ أحمد شوقي لم يترك مناسبةً إلا وعبّر عنها، أكان ذلك الحدث في العالم العربي أو العالم الغربي، فهو وصل إلى ذروة هذا اللون الشعري، فهو رثى الشخصيات العالمية، مثل: الموسيقار المشهور فردي، والأديب الروسي تولستوي، والأديب الفرنسي هيغو، ويتميز شعر شوقي بموسيقاه، فقصائده أشبه بالسيمفونية، وكان موهوبًا بالارتجال العفوي، ومن الأمثلة على شعره قصيدته في رثاء الأديب الفرنسي هيغو في ذكرى وفاته المئة، إذ قال:
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ
- إِلّا وَأَنتَ أَجَلُّ يا فِكتورُ
ذَكَروكَ بِالمِئَةِ السِنينَ وَإِنَّها
- عُمرٌ لِمِثلِكَ في النُجومِ قَصيرُ
سَتدومُ ما دامَ البَيانُ وَما اِرتَقَت
- لِلعالَمينَ مَدارِكٌ وَشُعورُ
وَلَئِن حُجِبتَ فَأَنتَ في نَظَرِ الوَرى
- كَالنَجمِ لَم يُرَ مِنهُ إِلّا النورُ
حافظ إبراهيم
تميز حافظ إبراهيم بشعر المناسبات خاصةً فيما يتعلق بالمناسبات الوطنية، فقد عُرف بتعبيره عن هموم الأمة وآلامها، إذ قال عنه شاهر المهجر خليل مطران: "أشبه بالوعاء يتلقى الوحي من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه... فيمتزج ذلك كله بشعوره وإحساسه… فيأتي منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذي يحس كل مواطن أنّه صدى لما في نفسه".
كما تميز حافظ إبراهيم بصدق العاطفة وسهولة المعاني ووضوح العبارات، وذلك بأسلوب قوي ومتين، وقال شعر المناسبات بأحداث ثقافية كثيرة، ومن أبرزها قصيدته في دار الأوبرا الخديوية، التي قالها بمناسبة تكريم أحمد شوقي ومبايعته أميرًا للشعر، إذ قال:
أَميرَ القَوافي قَد أَتَيتُ مُبايِعًا
- وَهَذي وُفودُ الشَرقِ قَد بايَعَت مَعي
فَغَنِّ رُبوعَ النيلِ وَاِعطِف بِنَظرَةٍ
- عَلى ساكِني النَهرَينِ وَاِصدَح وَأَبدِعِ
وَلا تَنسَ نَجدًا إِنَّها مَنبِتُ الهَوى
- وَمَرعى المَها مِن سارِحاتٍ وَرُتَّعِ
وَحَيِّ ذُرا لُبنانَ وَاِجعَل لِتونُسٍ
- نَصيبًا مِنَ السَلوى وَقَسِّم وَوَزِّعِ
فَفي الشِعرِ حَثُّ الطامِحينَ إِلى العُلا
- وَفي الشِعرِ زُهدُ الناسِكِ المُتَوَرِّعِ