شعراء الثورات السياسية في العصر العباسي الثاني
شعراء الثورات السياسية في العصر العباسي الثاني
كثُر شعراء الثورات السياسية في العصر العباسي الثاني فنظموا قصائد للتعبير عن أفكارهم وثوراتهم، ومن هؤلاء الشعراء ما يأتي:
شعراء الشيعة
أفل نجم الخوارج في العصر العباسي، ولكن الدعوة الشيعية بقيت موجودةً في العصر العباسي الأول والثاني، وتعدّدت مذاهب الشيعية، فظهرت الزيدية والاثني عشرية والإسماعيلية.
كان مركز الشيعة في الكوفة وكان أكثرهم من الإمامية الذين رأوا التقية، ومعنى ذلك أنّهم كانوا يُبطنون التشيع ويُظهرون غيره اتقاءً للسلطة، وقد كثرت شعرائهم، وفي عام 250هـ ثار يحيى بن عمر الطالبى على الخلافة العباسية فثارت معه شعراء الشيعة، ومع كل ثورةٍ من ثورات الشيعة كان يخرج لهم شعراء.
ومن أبرز شعرائهم ما يأتي:
محمد بن علي بن عبد الله
وهو أحد أحفاد العباس بن علي بن أبي طالب ، وكُنيته أبو إسماعيل، عاش في زمن المُتوكل وبقي بعده طويلاً، وأكثر من الافتخار بالرسول صلى الله عليه وسلم وبنسبه الطاهر، ويُردد في أشعاره أقوال الشيعة بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ومن ذلك قوله:
وجدّى وزير المصطفى وابن عمّه
- علىّ شهاب الحرب فى كل ملحم
وأول من صلّى ووحّد ربّه
- وأفضل زوّار الحطيم وزمزم
وصاحب يوم الدّوح إذ قام أحمد
- فنادى برفع الصوت لا بتهمهم
جعلتك منى يا علىّ بمنزل
- كهرون من موسى النجىّ المكلّم
ومن قوله:
إني كريم من أكارم سادة ...
- أكفهم تندى بجزل المواهب
هم خير من يحفى وأفضل ناعل
- وذروة هضب العرف غالب
هم المن والسلوى لدان بوده
- وكالسم في حلق العدو المجانب
نصر بن نصير الحلوانى
يُكنى أبو مقاتل وكان من غلاتهم، مدح محمد بن زيد شقيق الحسن بن زيد الذي ثار في طبرستان فرفعه وقدسه حتّى ليعلو على البشر بل والأنكى من ذلك أن يخلع عليه بعض الصفات الإلهية ويجعل الموت والحياة بيده وهو باقٍ طول الزمان ولا تصفه الكلمات بل يدلرك بالأذهان وفي ذلك يقول:
لا تقل بشرى وقل لي بشريان
- غرّة الداعى ويوم المهرجان
ابن زيد مالك رقّ الزمان
- بالعطايا والمنايا والأمانى
خلقت كفّاه موتا وحياة
- وحوت أخلاقه كنه الجنان
مختف فكرته فى كل شئ
- فهو فى كل محلّ ومكان
يتناءى لفظنا عنه ولكن
- هو بالأوصاف فى الأذهان دان
كافر بالله جهرا والمثانى
- كلّ من قال: له فى الخلق ثان
محمد بن صالح العلوي
واسم جده عبدالله، ينسب لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، توفي سنة 248هـ، كان من الشعراء النبلاء وولي المدينة في خلافة الواثق، ولمّا تسلم المتوكل عزله،
كان في أيام خلافة المتوكل رحمه الله، وكان شجاعاً مقداماً وكان يبتعد عن لهو عصره ومجونه، تبرم من الإجراءات التي اتخذها المتوكل ليحد من خطر الشيعة، فثار عليه فقضى المتوكل على ثورته وأسره ثم عفى عنه، فراح محمد يمدحه ويقول أنّه أحق بالخلافة من الشيعة وفي ذلك يقول:
يابن الخلائف والذين بهديهم
- ظهر الوفاء وبان غدر الغادر
وابن الذين حووا تراث محمّد
- دون الأقارب بالنصيب الوافر
نطق الكتاب لكم بذاك مصدّقا
- ومضت به سنن النبىّ الطاهر
ثورة الزنج
كانت هذه الثورة مصدر قلقٍ للدولة العباسية واستمرت أربعة عشر عاماً كادت تودي بها منذ رمضان سنة ٢٥٥هـ حتى صفر سنة ٢٧٠هـ، وقد بدأها رجلٌ فارسي في قريةٍ من قرى الري بإيران تدعى الطالقان، وألب الزنج على الثورة، ثمّ ادّعى أنّه من نسل علي رضي الله عنه كذباً وزوراً، ليظفي على نفسه شرعية الخلافة التي دعا لنفسه فيها.
كما أنّه ادعى النبوّة ومعرفة الغيب، وانتشرت جيوشه في العراق والبحرين وخوزستان وكانت هذه الثورة من أشدّ الثورات دموية وفتكاً حيث راج ضحيتها مليونان ونصف حسب بعص الروايات إنسان ويسر الله الخليفة الموفق -الذي أعاد للخلافة العباسية هيبتها- القضاء عليها، حيث أخرجهم من الأهواز، وحاصرهم في المختارة وقضى على قائها.
صاحب هذه الثورة يُسمى باسم علي بن محمد ادعى وأنه من سلالة زيد بن على بن الحسين، ودعا لنفسه بالخلافة ويبدو أنّه كان شاعراً وخطيباً ومن شعره يُخاطب بني العباس على أنّه من نسل علي رضي الله عنه:
بنى عمّنا لا توقدوا نار فتنة
- بطئ على مرّ الليالى خمودها
بنى عمنا إنا وأنتم أنامل
- تضمّنها من راحتيها عقودها
بنى عمنا ولّيتم التّرك أمرنا
- بديئا وأعقابا ونحن شهودها
فأقسم لا ذقت القراح-وإن أذق
- فبلغة عيش-أو يبار عميدها
ثورة ابن البعيث
هو محمد بن البعيث من عشيرة بني أسد التي نزلت في أذربيجان ، وكان شاعراً نظم أشعاره بالعربية والفارسية، وكان يقف على الحياد في الحرب بين بابك والعباسيين يدعمهما ويوصل أخبار كلّ جانبٍ للآخر، مما دفع أحد قواد المُتوكل أنّ يأسره ويضعه تحت الإقامة الجبرية ففر منها وعاد إلى قلعتين له.
وجمع الناس حوله وثار على الخلافة العباسية فأرسل المتوكل جيشاً حاصره وأسره ولما هم بإعدامه سأله المتوكل ما حملك على ذلك يا محمد فأجابه: الشقوة وأنت الحبل الممدور بيني وبين الله وأنشد:
أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلى
- إمام الهدى والصّفح بالحرّ أجمل
وهل أنا إلا جبلة من خطيئة
- وعفوك من نور النبوة يجبل
تضاءل ذنبى عند عفوك قلّة
- فمنّ بعفو منك والعفو أفضل
فإنك خير السابقين إلى العلا
- ولا شك أن خير الفعالين تفعل
فقال المتوكل أفعل خيرهما وأمن: فخفّف الإعدام وأمر بحبسه وظل في حبسه حتى مات.
وقد كان ابن البعيث كريماً أغدق على الناس ومن على الشعراء واستعملهم في الدعوة لنفسه وأبرزهم
يحيى بن أحمد
هو من أهل الموصل ومدح ابن البعيث كثيراً ومن ذلك قوله:
لا زال محسودا على أفعاله
- وحسوده فى الناس غير محسّد
شطراه بين معاقب أو غافر
- أو عائد متفضّل أو مبتدى
شفعا ووترا كلّ ذاك فعاله
- كالدهر إلا أنه لا يعتدى
فالناس تحت لوائه من راغب
- أو راهب أو رائح أو مغتدى
وفيه يقول:
متى ألق من آل البعيث محمّدا
- أحلّ رياضا للعلا بمحمّد
وتضحك أم البشر عنى بنيله
- فأرجع محسودا بنيل محسّد