شعر أبي تمام في الرثاء
![شعر أبي تمام في الرثاء شعر أبي تمام في الرثاء](https://so9or.com/uploads/posts/26/44878/44878-600x380.jpeg)
شعر أبي تمام في الرثاء
لم يترك أبو تمام غرضًا شعريًّا إلا وكتب فيه الكثير من القصائد التي تتميز بصدق العاطفة وسلاسة اللغة، ومن ذلك قصائده التي قالها في الرثاء ، وسنخصص هذا المقال لعرض أشهر قصائد الرثاء:
قصيدة: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
قال أبو تمام:
كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ
- فَلَيسَ لِعَينٍ لَم يَفِض ماؤُها عُذرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعدَ مُحَمَّدٍ
- وَأَصبَحَ في شُغلٍ عَنِ السَفَرِ السَفرُ
وَما كانَ إِلّا مالَ مَن قَلَّ مالُهُ
- وَذُخراً لِمَن أَمسى وَلَيسَ لَهُ ذُخرُ
وَما كانَ يَدري مُجتَدي جودِ كَفِّهِ
- إِذا ما اِستَهَلَّت أَنَّهُ خُلِقَ العُسرُ
أَلا في سَبيلِ اللَهِ مَن عُطِّلَت لَهُ
- فِجاجُ سَبيلِ اللَهِ وَاِنثَغَرَ الثَغرُ
فَتىً كُلَّما فاضَت عُيونُ قَبيلَةٍ
- دَماً ضَحِكَت عَنهُ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
فَتىً ماتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً
- تَقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ
وَما ماتَ حَتّى ماتَ مَضرِبُ سَيفِهِ
- مِنَ الضَربِ وَاِعتَلَّت عَلَيهِ القَنا السُمرُ
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ
- إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ
- هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ
- وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
غَدا غَدوَةً وَالحَمدُ نَسجُ رِدائِهِ
- فَلَم يَنصَرِف إِلّا وَأَكفانُهُ الأَجرُ
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما أَتى
- لَها اللَيلُ إِلّا وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ
كَأَنَّ بَني نَبهانَ يَومَ وَفاتِهِ
- نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِن بَينِها البَدرُ
يُعَزَّونَ عَن ثاوٍ تُعَزّى بِهِ العُلى
- وَيَبكي عَلَيهِ الجودُ وَالبَأسُ وَالشِعرُ
وَأَنّى لَهُم صَبرٌ عَلَيهِ وَقَد مَضى
- إِلى المَوتِ حَتّى اِستُشهِدا هُوَ وَالصَبرُ
فَتىً كانَ عَذبَ الروحِ لا مِن غَضاضَةٍ
- وَلَكِنَّ كِبراً أَن يُقالَ بِهِ كِبرُ
فَتىً سَلَبَتهُ الخَيلُ وَهوَ حِمىً لَها
- وَبَزَّتهُ نارُ الحَربِ وَهوَ لَها جَمرُ
وَقَد كانَتِ البيضُ المَآثيرُ في الوَغى
- بَواتِرَ فَهيَ الآنَ مِن بَعدِهِ بُترُ
أَمِن بَعدِ طَيِّ الحادِثاتِ مُحَمَّداً
- يَكونُ لِأَثوابِ النَدى أَبَداً نَشرُ
إِذا شَجَراتُ العُرفِ جُذَّت أُصولُها
- فَفي أَيِّ فَرعٍ يوجَدُ الوَرَقُ النَضرُ
لَئِن أُبغِضَ الدَهرُ الخَؤونُ لِفَقدِهِ
- لَعَهدي بِهِ مِمَّن يُحَبُّ لَهُ الدَهرُ
لَئِن غَدَرَت في الرَوعِ أَيّامُهُ بِهِ
- لَما زالَتِ الأَيّامُ شيمَتُها الغَدرُ
لَئِن أُلبِسَت فيهِ المُصيبَةَ طَيِّئٌ
- لَما عُرِّيَت مِنها تَميمٌ وَلا بَكرُ
كَذَلِكَ ما نَنفَكُّ نَفقِدُ هالِكاً
- يُشارِكُنا في فَقدِهِ البَدوُ وَالحَضرُ
سَقى الغَيثُ غَيثاً وارَتِ الأَرضُ شَخصَهُ
- وَإِن لَم يَكُن فيهِ سَحابٌ وَلا قَطرُ
وَكَيفَ اِحتِمالي لِلسَحابِ صَنيعَةً
- بِإِسقائِها قَبراً وَفي لَحدِهِ البَحرُ
مَضى طاهِرَ الأَثوابِ لَم تَبقَ رَوضَةٌ
- غَداةَ ثَوى إِلّا اِشتَهَت أَنَّها قَبرُ
ثَوى في الثَرى مَن كانَ يَحيا بِهِ الثَرى
- وَيَغمُرُ صَرفَ الدَهرِ نائِلُهُ الغَمرُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ وَقفاً فَإِنَّني
- رَأَيتُ الكَريمَ الحُرَّ لَيسَ لَهُ عُمرُ.
قصيدة: ها إن هذا موقف الجازع
في هذا الشعر قال أبو تمام:
ها إِنَّ هَذا مَوقِفُ الجازِعِ
- أَقوى وَسُؤرُ الزَمَنِ الفاجِعِ
دارٌ سَقاها بَعدَ سُكّانِها
- صَرفُ النَوى مِن سَمِّهِ الناقِعِ
وَلا تَلوما ذا الهَوى إِنَّها
- لَيسَت بِبِدعٍ حَنَّةُ النازِعِ
لَو قَبلَ ما كانَ مَزوراً بِها
- إِذاً لَسُرَّ الرَبعُ بِالرابِعِ
فَاِعتَبِرا وَاِستَعبِرا ساعَةً
- فَالدَمعُ قِرنٌ لِلجَوى الرادِعِ
أَخلَت رُباها كُلُّ سَيفانَةٍ
- تَخلَعُ قَلبَ المَلِكِ الخالِعِ
يُصبِحُ في الحُبِّ لَها ضارِعاً
- مَن لَيسَ عِندَ السَيفِ بِالضارِعِ
رودٌ إِذا جَرَّدتَ في حُسنِها
- فِكرَكَ دَلَّتكَ عَلى الصانِعِ
نوحٌ صَفا مُذ عَهدِ نوحٍ لَهُ
- شِربُ العُلى في الحَسَبِ الفارِعِ
مُطَّرِدُ الآباءِ في نِسبَةٍ
- كَالصُبحِ في إِشراقِهِ الساطِعِ
مَناسِبٌ تُحسَبُ مِن ضَوئِها
- مَنازِلاً لِلقَمَرِ الطالِعِ
كَالدَلوِ وَالحوتِ وَأَشراطِهِ
- وَالبَطنِ وَالنَجمِ إِلى البالِعِ
نوحُ بنُ عَمرِو بنِ حُوَيِّ بنِ عَم
- رِو بنِ حُوَيِّ بنِ الفَتى ماتِعِ
السَكسَكِيُّ المَجدِ كِندِيُّهُ
- وَأُدَدِيُّ السُؤدُدِ الناصِعِ
لِلجَدبِ في أَموالِهِ مَرتَعٌ
- وَمَقنَعٌ في الخِصبِ لِلقانِعِ
قَد أَشرَقَت في قَومِهِ مِنهُمُ
- ناصِيَةٌ تَنأى عَنِ السافِعِ
كَم فارِسٍ فيهِم إِذا اِستُصرِخوا
- مِثلِ سِنانِ الصَعدَةِ اللامِعِ
يُكرِهُ صَدرَ الرُمحِ أَو يَنثَني
- وَقَد تَرَوّى مِن دَمٍ مائِعِ
بِطَعنَةٍ خَرقاءَ تَأتي عَلى
- حَزامَةِ المُستَلئمِ الدارِعِ
يُنفِذُ في الآجالِ أَحكامَهُ
- أَمرَ مُطاعِ الأَمرِ في طائِعِ
يُخلى لَها المَأزِقُ يَومَ الوَغى
- عَن فُرجَةٍ في الصَفِّ كَالشارِعِ
إِنَّ حُوَيّاً حاجَتي فَاِقضِها
- وَرُدَّ جَأشَ المُشفِقِ الجازِعِ
فَتىً يَمانٍ كَاليَماني الَّذي
- يَعرُمُ حَرّاهُ عَلى الوازِعِ
في حِليِهِ النابي وَفي جَفنِهِ
- وَفي مَضاءِ الصارِمِ القاطِعِ
يُجاوِزُ الخَفضَ وَأَفياءَهُ
- إِلى السُرى وَالسَفَرِ الشاسِعِ
أَدَلُّ بِالقَفرِ وَأَهدى لَهُ
- مِنَ الدُعَيميصِ وَمِن رافِعِ
يَعلَمُ أَنَّ الداءَ مُستَحلِسٌ
- تَحتَ جَمامِ الفَرَسِ الرائِعِ
وَالطائِرُ الطائِرُ في شانِهِ
- يُلوي بِخَطِّ الطائِرِ الواقِعِ
أَخفَقَ فَاِستَقدَمَ في هِمَّةٍ
- وَغادَرَ الرَتعَةَ لِلراتِعِ
تَرمي العُلى مِنهُ بِمُستَيقِظٍ
- لا فاتِرِ الطَرفِ وَلا خاشِعِ
وَإِنَّما الفَتكُ لِذي لَأمَةٍ
- شَبعانَ أَو ذي كَرَمٍ جائِعِ
أُنشُر لَهُ أُحدوثَةً غَضَّةً
- تُصغي إِلَيها أُذُنُ السامِعِ
إِن يُرفَعِ السَجفُ لَهُ اليَومَ يَر
- فَعهُ غَداً في المَشهَدِ البارِعِ
فَرُبَّ مَشفوعٍ لَهُ لَم يَرَم
- حَتّى غَدا يَشفَعُ لِلشافِعِ
إِن أَنتَ لَم تَنهَض بِهِ صاعِداً
- في مُستَرادِ الزاهِرِ اليانِعِ
حَتّى يُرى مُعتَدِلاً أَمرُهُ
- بَعدَ اِلتِياثِ الأَمَلِ الظالِعِ
أَكدى الَّذي يَعتَدُّهُ عُدَّةً
- وَضاعَ مَن يَرجوهُ لِلضائِعِ.
قصيدة: عياش زف إليك جهد جاهد
قال أبو تمام :
عَيّاشُ زُفَّ إِلَيكَ جَهدٌ جاهِدُ
- وَاِحتَلَّ ساحَتَكَ البَلاءُ الراكِدُ
ما اللُؤمُ لُؤماً إِن عَداكَ لُبانُهُ
- وَعَدَوتَهُ وَلَهيعَةٌ لَكَ والِدُ
أَلِفَ الهِجاءَ فما يبالي عِرضُهُ
- أَهَجاهُ أَلفٌ أَم هَجاهُ واحِدُ
سَمُجَت بِكَ الدُنيا فَما لَكَ حامِدٌ
- وَسَمَجتَ بِالدُنيا فَما لَكَ حاسِدُ
لَأُنَكِّلَنَّكَ أَن تَكونَ لِشاعِرٍ
- مِن بَعدِها غَرَضاً وَأَصلُكَ فاسِدُ
وَلَأُشهِرَنَّ عَلَيكَ شُنعَ أَوابِدٍ
- يُحسَبنَ أَسيافاً وَهُنَّ قَصائِدُ
فيها لِأَعناقِ اللِئامِ جَوامِعٌ
- تَبقى وَأَعناقِ الكِرامِ قَلائِدُ
يَلزَمنَ عَرضَ قَفاكَ وَسمَ خَزايَةٍ
- لَم يُخزِها بِأَبي عُيَينَةَ خالِدُ
وَاللَهُ يَعلَمُ أَنَّ شِعراً شابَهُ
- فيكَ الهِجاءُ أَوِ المَديحُ لَكاسِدُ
فَاِلبَس ثِيابَ فَضائِحٍ أَسدَيتَها
- أَشراً وَأَلحَمَها أَخوكَ البارِدُ.