شروط قراءة القرآن
شروط قراءة القرآن الكريم وآدابها
تجوز قراءة القرآن الكريم للمُحدث حَدَثاً أصغر؛ فقد نقل الإمام النوويّ -رحمه الله- الإجماع على ذلك؛ فقال: "أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ لَهَا"، كما ثبت أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يقرأ مع الحَدَث الأصغر، وفيما يأتي توضيح شروط قراءة القرآن الكريم وبيانها:
السلامة من الحيض والنفاس
اختلف العلماء في حُكم قراءة الحائض للقرآن ، ويُستثنى من ذلك ما كان على سبيل الدعاء، والذِّكر دون قَصْد التلاوة، وفيما يأتي بيان ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة:
- الحنفيّة: قالوا بعدم جواز قراءة القرآن من قِبل الحائض والنفساء بقَصْد القراءة، بخِلاف قَصْد الذِّكر ؛ واستدلّوا بالحديث سابق الذِّكر.
- المالكيّة: قالوا بجواز قراءة القرآن للحائض في حال استرسال الدم عليها؛ سواء كانت جُنباً أم لا، سواءً خافت النسيان أم لا، وهذا هو الرأي المُعتمَد، كما قال أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بجواز قراءة الحائض للقرآن؛ لأنّ الأصل في أيّ عملٍ الإباحة ما لم يأتِ دليلٌ يمنع الإباحة، ولا وجود لدليلٍ يمنع الحائض من قراءة القرآن، وذكر ابن تيمية أنّه لم ترد نصوصٌ صريحةٌ تُؤكّد حُرمة قراءة القرآن للحائض، وأنّ الله أمر بقراءة القرآن، وبيّن فَضْل قراءته ، والأجر المُترتِّب عليه، ولا يُمكن القَوْل بالمنع من ذلك إلّا في حال ثبوت دليلٍ، ومنع الحائض من قراءة القرآن يُضيّع عليها الكثير من الثواب والأجر، وقد تنسى شيئاً منه بتَرْكها إيّاه، ولا يصحّ قياس الحائض على الجُنب؛ إذ إنّ الجُنب يمكنه أن يُزيل المانع باختياره، وذلك بخِلاف الحائض، كما أنّ مدّة الحَيض قد تكون طويلةً بخِلاف الجُنْب الذي يجب الاغتسال منه بحضور وقت الصلاة.
- الشافعيّة: قالوا بعدم جواز قراءة القرآن للحائض؛ واستدلّوا بحديثٍ ضعيفٍ ورد عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، قال: (لا تقرأُ الحائضُ ولا الجنبُ شيئًا من القرآنِ).
- الحنابلة: قالوا بعدم جواز مَسّ المصحف من قِبل الحائض؛ استناداً إلى قَوْله -عزّ وجلّ-: (لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ)، وقالوا كذلك بحُرمة قراءة الحائض للقرآن على الإطلاق؛ استدلالاً بالحديث الذي استدلّ به الشافعيّة.
الطهارة من الجنابة
بيّن العلماء حُكم قراءة القرآن لمَن أصابته الجنابة، وبيان ما ذهبوا إليه آتياً:
- الحنفيّة: قالوا إنّه لا يجوز للجُنب أن يقرأ القرآن، وذكرَ الطحاويّ أنّ الجنب يجوز له أن يقرأ بعض من الآيات، ولا حرج عليه إن قرأ شيئاً دون أن يقصد به القرآن، مثل: الحَمْد، أو البَسملة، أو التسبيح، أو ذِكْر الله، أو الدعاء ؛ وذلك لأنّ المَنع جاء خاصّاً بالقرآن فقط.
- المالكيّة: قالوا إنّ الجنابة تمنع من قراءة القرآن، وأكّد الإمام مالك على أنّ الجُنب لا يقرأ من القرآن إلّا آيةً أو آيتَين على سبيل الذِّكر للنوم مثلاً، أو التعوُّذ، وما شابه ذلك، على ألّا يكون من باب التلاوة.
- الشافعيّة: قالوا بحُرمة قراءة القرآن لمَن كان على جنابةٍ؛ سواء باللفظ، أو بالإشارة لِمَن كان أخرس، وقال القاضي في فتواه إنّها تكون بمنزلة النُّطق، حتى ولو كان ببعض ٍمن الآية، كالحرف؛ للإخلال بالتعظيم، ويجوز للجُنب مراجعة القرآن بقلبه دون التلفُّظ به، كما يجوز له النَّظَر في المصحف، وكذلك قراءة الأذكار الموجودة في القرآن، والتي يُقصَد بها الذِّكر وليست القراءة، ومثال ذلك -على سبيل الدّعاء وليست القراءة- قَوْل: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وكذلك قَوْل: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ).
- الحنابلة: قالوا بعدم جواز قراءة القرآن للجُنب، والحائض، والنفساء، واستدلّوا على ذلك بما ورد عن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- من أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقضي حاجَتَه ثم يَخرُجُ فيَقرَأُ القرآنَ ويَأكُلُ معَنا الَّلحمَ ولا يَحجُِزُه وربَّما قال: ولا يَحجِبُه منَ القرآنِ شيءٌ ليس الجَنابَةَ).
طهارة المكان
بَيَّن العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة كراهة قراءة القرآن في الأماكن القَذِرة والنَّجِسة، واستثنى المالكيّة الآيات اليسيرة التي تُذكَر من باب التعوُّذ، ونحو ذلك.
الإخلاص في قراءة القرآن لله تعالى
تجدر بالمسلم قراءة القرآن، وتعلُّم ما جاء به؛ طَمَعاً في نَيْل الأجر والثواب من الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك يتوجّب على المسلم الإخلاص في ذلك لله -سبحانه وتعالى-؛ فالقرآن وسيلةٌ من وسائل التوسُّل لله؛ وذلك بحِفظ القرآن، وحُبّه، والإيمان والعمل به.
تعظيم القرآن الكريم
يجدر بالمسلم الاقتداء بهَدْي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في تعامله مع القرآن الكريم ، والحرص على العمل به، والاهتداء بهَدْيه؛ إذ إنّه نورٌ من الله واضحٌ مبينٌ؛ فمن تمسّك به وسار عليه نجا، ومن اعتصم به هُدِيَ إلى الصراط المستقيم.
وقد قال الإمام النوويّ -رحمه الله- عندما ذكر مظاهر تعظيم القرآن الكريم: "أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق، وتنزيهه، وصيانته؛"، ولذلك ينبغي لحامل القرآن أن يجعله ربيعَ قلبه؛ فيتأدّب عند تلاوته، ويتحلّى بالأخلاق الحميدة، ومن الأمور الواجبة على المسلم في حقّ القرآن الكريم: تلاوته، وتدبُّره، وفَهْم ما فيه من مَعانٍ، والعمل بما جاء فيه.
آداب قراءة القرآن
يُستحسَن بالمسلم التحلّي بعددٍ من آداب قراءة القرآن ، ويُذكَر منها:
- التسوُّك.
- الحرص على نظافة الثياب وطهارتها، والتوجُّه إلى القِبلة إن أمكن ذلك.
- تدبُّر معاني القرآن ، وخشوع القلب، وخضوع الجوارح، والابتعاد عن كلّ ما يُشغل عن قراءة القرآن.
- الابتعاد عن الذنوب والمعاصي، وتجنُّب ارتكاب شيءٍ منها.
- استغلال الأوقات المناسبة في تلاوة القرآن، كالفجر، والليل؛ لخُلوّ الذِّهن، وصفائه.
- استشعار عَظَمة الله -تعالى-، وأنّ القرآن كلام الله المُوجَّه إلى عباده.
- عدم قَطع التلاوة لأمرٍ من أمور الدُّنيا، إلّا إن دَعَت الحاجة إلى ذلك.