شروط حج التمتع
شروط حجّ التمتُّع
شروط حج التمتع كثيرة، ومنها ما اتفق الفقهاء عليه، ومنها ما تعددت الآراء فيه، وسنشمل شروط حج التمتع بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي:
تقديم العُمرة على الحجّ
اتّفق أهل العلم على اشتراط الإحرام لأداء العُمرة أوّلاً قبل الإحرام بالحجّ، وذلك في حجّ التمتُّع؛ فيُؤدّي الحاجّ أعمال العُمرة قبل أعمال الحجّ، وإن أحرم الحاجّ بالحجّ والعُمرة معاً من الميقات، يكون حجّه قارناً ، وكذلك إن أدخل أعمال الحجّ على أعمال العُمرة، وقال الحنفيّة بصحّة حجّ التمتُّع بأداء أربعة أشواطٍ من الطواف قبل الإحرام بالحجّ.
أداء العُمرة في أشهر الحجّ
الشّروع بمناسك الحج وأولها الإحرام مرتبط بميقات زماني، وهو مُحدّدٌ شرعاً بأشهر الحجّ، وهي: شهر شوّال، وشهر ذي القعدة، وشهر ذي الحِجّة ، وقد ذهب جمهور أهل العلم باستثناء الحنفية إلى اشتراط إحرام المتمتّع في أشهر الحجّ، وفيما يأتي بيانُ أقوال المذاهب، على تفصيلٍ في ذلك بين المذاهب الفقهيّة في إحرام المُتمتِّع وأدائه للعُمرة، فيما يأتي:
- الحنفيّة: قالوا بعدم اشتراط الإحرام للعُمرة في أشهر الحجّ؛ فلو أحرم الحاجّ بالعُمرة في رمضان، وبقي على إحرامه إلى شوّال من العام المُقبل، ثمّ أدّى الحجّ؛ فإنّه يُعَدّ بذلك مُتمتِّعاً، وعند الحنفية أيضاً: لو طاف المتمتّع للعمرة أربعة أشواط في أشهر الحج يعدُّ متمتعاً وإنْ وقع إحرامه والأشواط الثلاثة قبل أشهر الحج.
- المالكيّة: اشترطوا أداء العُمرة أو بعضها في أشهر الحجّ.
- الشافعيّة: قالوا بالإحرام من الميقات بالعُمرة في أشهر الحجّ، والانتهاء من العُمرة، ثمّ الإحرام بالحجّ من مكّة.
- الحنابلة: قالوا بالإحرام للعُمرة في أشهر الحجّ، ثمّ الفراغ من نُسكها؛ للإحرام بالحجّ، ويكون ذلك في عامٍ واحدٍ.
أداء الحجّ والعُمرة في عامٍ واحدٍ
اتّفق العلماء أنّه لا بُدّ من أداء الحجّ والعُمرة في عامٍ واحدٍ، على تفصيلٍ في ذلك في كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة، وذلك على النحو التالي:
- الحنفيّة: قالوا بوجوب أداء الحجّ والعُمرة للمُتمتِّع في عامٍ واحدٍ، وسفرٍ واحدٍ؛ فلا يُقبَل من الحاجّ أداء طواف العُمرة في سنة، ثمّ أداء الحجّ في السنة التالية.
- المالكيّة: قالوا بأداء نُسك الحجّ والعُمرة في سنةٍ واحدةٍ.
- الشافعيّة: اشترطوا على المُتمتِّع أداء الحجّ والعُمرة في عامٍ واحدٍ؛ إذ يجوز الإحرام بالعُمرة في غير أشهر الحجّ، وأداؤها ولو في أشهر الحجّ، ولا يلزمه الهَدْي بذلك؛ لأنّه أشبه بذلك الحجّ المُفرَد.
- الحنابلة: قالوا إنّ الحاجّ لا يكون مُتمتِّعاً إلّا إن أدّى العُمرة والحجّ في عامٍ واحدٍ.
التحلُّل من العُمرة قبل الإحرام بالحجّ
اتّفق العلماء على أنّه يُشترَط للحاجّ المُتمتِّع أن يتحلّل من العُمرة قبل البدء بنُسك الحجّ، وإن أدّى عملاً من أعمال الحجّ قبل تحلُّله، فإنّه يكون قارناً، وليس مُتمتِّعاً، وفصّل الحنفيّة في ذلك؛ فقالوا إنّ ما سبق بيانه خاصٌّ بالحاجّ الذي لم يَسُق الهَدْي، أمّا مَن ساقه، فإنّه يتحلّل من إحرامه، ثمّ يُحرم للحَجّ يوم التروية ، أو قبله، ويكون إحرامه كإحرام أهل مكّة ، ويتحلّل من الإحرامَين إن قصّر من شَعْر رأسه، أو حَلَقه يوم النَّحر.
ألّا يكون الحاجّ من أهل مكّة
اتّفق العلماء على أنّ حجّ التمتُّع لا يصحّ إلّا ممّن كان خارج مكّة؛ فلا يصحّ من أهل مكّة أداؤه، وبيان تفصيل آراء المذاهب الفقهيّة فيما يأتي:
- الحنفيّة: اشترطوا ألّا يكون الحاجّ المُتمتِّع من أهل مكّة، وألّا يعزم التوطُّن فيها بعد أداء النُّسك، فلو عزم الحاجّ المُتمتِّع على الإقامة في مكّة بعد أداء النُّسك؛ فلا يكون حجّه تمتُّعاً، وإن أقام شهرين على سبيل المثال دون العزم على التوطُّن؛ فإنّ حجّه يكون تمتُّعاً، ولا يُعَدّ المُقيم في المدينة المُنوَّرة من أهل مكّة، وكذلك المُقيم في مكّة، فهو لا يُعَدّ من أهل المدينة.
- المالكيّة: اشترطوا للحاجّ المُتمتِّع ألّا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ أي ألّا يكون من أهل مكّة المُكرَّمة؛ فأهل مكّة يُحرمون من مكّة.
- الشافعيّة: اشترطوا للحاجّ المُتمتِّع الذي يجب الهَدْي في حقّه ألّا يكون من أهل مكّة، ولا قريباً منها مسافة تقلّ عن المسافة التي يجوز فيها قَصْر الصلاة؛ فإن كان من أهل مكّة، أو قريباً منها فلا يصحّ تمتُّعه؛ استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).
- الحنابلة: قالوا إنّ الحاجّ المُتمتِّع يجب ألّا يكون من أهل مكّة المُكرَّمة، ولا قريباً من مكّة مسافة تقلّ عن المسافة التي يجوز فيها قَصْر الصلاة، وبذلك يجب الهَدْي على المُتمتِّع.
نيّة التمتُّع
تعدّدت مذاهب الفقهاء في اشتراط عقد نيّة التمتُّع بالعُمرة والحجّ حين الإحرام بالعُمرة، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
- القول الأوّل
لم يشترط كلٌّ من الشافعيّة، والحنفيّة، والمالكيّة نيّة التمتُّع حين الإحرام؛ فمن أدّى العُمرة والحجّ دون عَقْد نيّة التمتُّع، وَجَب عليه الهَدْي، وذلك ما ذهب إليه محمد الشنقيطي، واللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء؛ واستدلّوا على قولهم بأنّ الهَدْي واجبٌ على المُتمتِّع؛ بسبب ترك الإحرام بين العُمرة والحجّ، وذلك يتحقّق سواءً بالنيّة، أو دونها، بالإضافة إلى عموم قَوْل الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
- القول الثاني
اشترط الحنابلة عَقْد النيّة على التمتُّع حين الإحرام، على خِلافٍ بين فقهاء المذهب في وقتها؛ إن كانت قبل العُمرة، أو أثناءها، أو بعدها وقبل أداء الحجّ، وهو اختيار ابن عثيمين؛ وقد استدلّوا باشتراط القصد والنيّة في ظاهر قَوْل الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
عدم السفر بين الحجّ والعُمرة
تعدّدت مذاهب الفقهاء في اشتراط عدم السفر بين أداء الحجّ والعُمرة للحاجّ المُتمتِّع، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
- القول الأوّل
اشترط الحنفيّة، والمالكيّة ، والحنابلة عدم السفر بين العُمرة والحجّ للمُتمتِّع، وأضاف الحنفيّة أنّ المُتمتِّع إن سافر إلى أهله بعد العُمرة سفراً صحيحاً، فإنّ تمتُّعه يبطل؛ لأنّه انقطع عن السفر الأوّل، وفصّلوا في المسألة بقولهم: إنّ الحاجّ لو رجع إلى أهله قبل أنْ يُتمّ الطواف، ثم عاد وأكمل حجّه، يُنْظَر؛ فإن كان أكثر الطواف في السفر الأول لا يُعدّ مُتمتعا، وإنْ كان أكثره في الثاني كان متمتّعاً.
- القول الثاني
اشترط الشافعية أنْ لا يرجع المتمتّع إلى الميقات للإحرام للحج، فإنْ رجع إلى الميقات فأحرم منه للحج لا يكون متمتعاً، ولا يلزمه الدم.
عدم إفساد العُمرة أو الحجّ
تعدّدت مذاهب الفقهاء في حكم حجّ التّمتّع لمَن أفسد الحجّ أو العُمرة، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
- القول الأوّل
اشترط الحنفيّة في حجّ التمتُّع عدم إفساد العُمرة أو الحجّ، ولا يُعَدّ الحاجّ مُتمتِّعاً إن أفسد أحدهما، ولا يترتّب الهَدْي عليه؛ لأنّ الترفُّه لم يتحقّق له.
- القول الثاني
قال كلٌّ من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة إنّ الحاجّ يبقى مُتمتِّعاً إن فَسد حَجّه، أو فَسدت عُمرته، ويجب عليه الهَدْي.
أهميّة شروط حجّ التّمتع
تكمُن أهميّة شروط حجّ التمتّع في ارتباطها بتسمية نوع الحجّ بالتّمتّع، وفي ذلك ذهب العلماء في المسألة إلى قولَين، وبيانهما فيما يأتي:
- القول الأوّل: لو فقد الحجّ المتمتع شرطاً من شروطه لا يعدّ حينها حجَّ تمتّع، ويسمّى مُفرداً، لأنّ حجّ التّمتع له حقيقة، وبفقد شرطاً منها تنتفي حقيقته.
- القول الثاني: لا يؤثّر فقد بعض شروط حجّ التّمتع على تسميته، ويكفي ليكون الحجُّ تمتّعاً أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحجّ، والإحرام بالحجّ في نفس العام، وإلى هذا الرأي ذهب الشافعية والحنابلة.