شرح وتفسير سورة الغاشية المُبسط
وصف وجوه الكافرين ووجوه المؤمنين يوم القيامة
افتُتحت السورة القرآنيّة الكريمة بسؤال معلوم الإجابة؛ وهو السؤال عن يوم القيامة، فقد قال الله -تعالى-: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)، والغاشية هي اسم من أسماء يوم القيامة.
ثم بدأت الآيات تستعرض حال الناس يومئذٍ؛ وبينت أنَّهم ينقسمون لفريقين، فريقٌ آمن بالله -تعالى-، وفريق كفر فذاق عاقبة كفره، وفيما يأتي وصف حال الفريقين كما ورد في الآيات الكريمة:
وجوه الكافرين المجهدة من العذاب
تصف الآيات الكريمة حال الكافرين يوم القيامة، فالله -تعالى- يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ*عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ)، فمن شدة العذاب الذي هم فيه قد خشعت وجوههم وظهر الذّل فيها، ولم ينالوا من كفرهم في الدنيا إلا التعب، فقد اختاروا طريق الضلال، وجميع ما قاموا به من عباداتٍ وأفعالٍ في الدنيا لن تشفع لهم من حرّ جهنم، فهم لم يحققوا شرط العبودية لله -تعالى- ولقبول أعمالهم، وهو الإيمان به وحده واتباع هدي رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.
ثم بدأت الآيات تصف حال الكافرين في النار فقد قال -تعالى-: (تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً* تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ* لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ* لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)، فجزاء هذه الوجوه كما وصفتها الآيات ما يأتي:
- أنّ الكافرين يوم القيامة وجوههم ذليلة، وخاشعة ومرهقة من العذاب يومئذٍ.
- أنّ الكافرين تصلاهم نار جهنم، ويقاسون لهيبها.
- أنّ الكافرين شرابهم فيها من ينبوع حار متوهج، لا يروي لهم عطشًا، ولا يبرّد لهم قلبًا.
- أنّ الكافرين طعامهم في نار جهنم لا يُسمن ولا يغني من جوع؛ فهو الشوك الذي أصابه اليبس، ولا يجدون فيه طعمًأ سوى المرارة.
وجوه المؤمنين المتنعمة
بعدما بيّنت الآيات حال الكافرين ومصيرهم، بدأت بمقارنة حالهم بحال المؤمنين، وشتان ما بينهما حيث قال الله -تعالى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً* فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ* فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ* وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ* وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ*وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)، فالمؤمنون يوم القيامة في نعيم مقيم غير زائل وجزاءهم يوم القيامة كما جاء في الآيات ما يأتي:
- أنّ المؤمنين يوم القيامة يظهر على وجوههم الفرح، والحسن والنعمة التي هم فيها؛ فهم متنعمون سعيدون بالمصير الذي لاقوه، وهم فرحون بما قدموا في الدنيا من طاعات لله -تعالى-.
- أنّ المؤمنين مصيرهم أعلى الدرجات من الجنة، لا يسمعون فيها إلا الكلام الذي به حمدًا لله -تعالى- وشكرًا له على ما آتاهم.
- أنّ المؤمنين شرابهم في الجنة الماء وكل الأشربة الصافية واللذيذة، التي تجري وتتدفق في عيونٍ صافيةٍ في الجنّة.
- أنّ المؤمنين فراشهم في الجنة الفراش الناعم المريح، الذي يستمتع صاحبه في الجلوس عليه.
- أنّ المؤمنين في الجنة يشربون بأكوابٍ أُعدّت لهم، ووضعت بين أيديهم ليشربوا منها متى أرادوا.
- أنّ المؤمنين يتكئون على نمارق؛ وهي الوسائد التي قد صُّفت بجانب بعضها، وفُرشت بالزرابي؛ وهي السجاد المريح والجذاب، وهي متفرقة في كل مكان وكثيرة.
بينّت السورة أنّ يوم القيامة آتٍ لا محالة، ووصفت السورة حال الكافرين وأنّ مصيرهم النار، وحال المؤمنين وأنّ مصيرهم الجنّة.
مظاهر قدرة الله في الخلق
وبعد ذكر الغاشية وحال الفريقين في هذا اليوم بدأت الآيات تُقيم الحجة والبراهين على البعث وإحياء الناس ليوم القيامة، وعرضت الأدلة التي تخاطب عقول العرب، وتلامس واقعهم، فقد قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، وما يأتي عرض هذه الأدلة:
مظاهر قدرة الله في خلق الإبل
ضرب الله مثلًا للناس في قدرته في خلق الإبل، وهي الجِمال، وقد خصّ الله -تعالى- الجمل دون غيره؛ لأنّه هو الحيوان الذي تعرفه العرب، وقد تعددت منافعها للناس؛ من ركوبها والحمل على ظهورها، والاستفادة من لبنها، وأكل لحمها، كما أنّ الجمال تصبر على الجوع والعطش، وتُطيع صاحبها، وغيرها من المنافع المتعددة.
وكانت الإبل أفضل الأنعام عند العرب؛ حتى أنّهم جعلوها دية القتل، وذكروها في أشعارهم، فدعاهم الله -تعالى- إلى النظر إليها وإلى الصفات التي تتمتع بها، فكيف لهم أن ينكروا البعث، وهذا خلق بسيط من خلقه، تعددت منافعه؛ فالله -تعالى- كما خلق الإبل قادرٌ على البعث والجزاء.
مظاهر قدرة الله في خلق السماء
ضرب الله -تعالى- مثلًا خلقه السماء مرفوعةً من غير أعمدة تمسكها، وهي بعيدة ثابتة في السماء من غير سقوط، وهي ذات نجوم كثيرة، كلّها مرفوعة بأمر الله -تعالى-، فكيف لأحدٍ أن ينكر البعث بعد هذه الآيات؟.
مظاهر قدرة الله في خلق الجبال
من مظاهر خلق الله -تعالى- التي جاءت في الآيات خلقِه للجبال؛ فهي منصوبة مرفوعة، وكأنّها تقف على الأرض وقوفًا ثابتًا لا حركة فيه، لتُمسك هذه الأرض وتُثبتها، فالناظر إليها يتعجب من ثباتِها، ومنها تنبع المياه، وتُستخرج المعادن، والكثير من المنافع التي تدعو البشر لتأملها، وتأمل خلق الله وقدرته في هذا الكون.
مظاهر قدرة الله في خلق الأرض
يدعو الله -تعالى- المنكرين للبعث إلى تأمل الأرض؛ كيف جعلها الله ممهدة للعيش عليها، ومبسوطةً لا خلل فيها، ليتخذها الناس سكنًا لهم، وينتفعوا بما فيها من خيرات، فمن الأرض يستخرج الناس مقومات العيش من نباتات وأشجار ومعادن.
والله -تعالى- ذكرالإبل، والأرض، والسماء، والجبال دون غيرها؛ لأنّها أكثر ما يمكن للإنسان التأمل فيه والنظر إليه، ليتيقن من قدرة الخالق -سبحانه وتعالى-.
أقامت السورة الأدلة على قدرة الله -تعالى- في الخلق، والتي تُثبت قدرة الله -تعالى- على البعث والجزاء، فضرب مثلًا في خلقه للإبل ورفع السماء، ونصب الجبال، وتسطيح الأرض.
أمر الله نبيه بالتذكير بالبعث والجزاء
بعدما أقام الله تعالى الحجة عليهم بالأدلة أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يُذكرَ الناس بهذه الآيات، ويعظهم بها، ويدعوهم للتأمل في خلق الله -تعالى- وقدرته على الخلق والبعث، حيث قال الله -تعالى-: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)، وأخبر الله نبيه بأنّ عليه التذكير فقط، فليس بقدرته أن يسيطر عليهم ويُجبرهم على الإيمان بالله تعالى، فمن آمن فلنفسه، ومن كفر فعليها.
فمن كفر بعد تذكير رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- له فإن الله -تعالى- قد أعدّ له عذابًا كبيرًا، حيث قال -تعالى-: (إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ* فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ*إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم)، ثم عادت الآيات تؤكد على بعث الناس وحسابهم، ووقوع العذاب للكافرين، فمرجعهم لله -تعالى- وحده.
انتهت الآيات بتذكير رسول الله بمهمته التي بُعث لأجلها وهي التذكير، ومن يكفر بعد ذلك فإن مرده إلى الله.