شرح معلقة زهير بن أبي سلمى (أمن أم أوفى دمنة)
فصل الوقوف على الأطلال
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
- بحومانة الدراج فالمتثلم
الدمنة: ما اسود من آثار الدار بالبعر والرماد وغيرهما.
يبدأ الشاعر القصيدة ب الوقوف على الأطلال فيقول: أدمنة من منازل أم أوفى لم تكلم، وهذا توجع، أخرج الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على بعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها.
ودار لها بالرقمتين كأنها
- مراجع وشم في نواشر معصم
الرقمتان: حرتان إحداهما قريبة من البصرة والأخرى من المدينة.
قوله بالرقمتين أراد بينهما، وشبه رسوم الديار عند تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم.
بها العين والأرآم يمشين خلفة
- وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
يقول: في هذه الديار بقر وحش واسعات العيون وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضًا، وأولادها ينهضن من مرابضها لترضعها أمهاتها.
وقفت بها من بعد عشرين حجة
- فلأيًا عرفت الدار بعد التوهم
يقول: وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة.
أثافي سفعا في معرس مرجل
- ونؤيًا كجذم الحوض لم يتثلم
يقول: عرفت حجارة سودًا تنصب عليها القدر، وعرفت نهيرًا كان حول بيت أم أوفى بقي غير متثلم أي حافظ على ما بقي منه.
فلما عرفت الدار قلت لربعها
- ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم
يقول: وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييًا إياها وداعيًا لها: طاب عيشك في صباحك وسلمت.
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن
- تحملن بالعلياء من فوق جرثم
يقول: انظر يا خليلي هل ترى بالأرض العالية من فوق هذه الماء نساء في هودج على الإبل ؟
علون بأنماط عتاق وكلة
- وراد حواشيها مشاكهة الدم
يقول: وأعلين أنماطًا كرامًا ذات ستر رقيق، أي ألقينها على الهوادج وغشينها به، ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه الدم في شدة الحمرة.
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
- أنيق لعين الناظر المتوسم
يقول: في هؤلاء النساء مناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن.
بكرن بكورًا واستحرن بسحرة
- فهن لوادي الرس كاليد للفم
يقول: ابتدأن السير وسرن سحرًا، وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة للفم لا تخطئه.
جعلن القنان عن يمين وحزنه
- ومن بالقنان من محل ومحرم
يقول: مررت بهم أشهر الحل وأشهر الحرم.
ووركن في السوبان يعلون متنه
- عليهنَّ دل الناعم المتنعم
يقول: وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان أي الأرض المرتفعة، وعليهن دل الانسان طيب العيش الذي يتكلف ذلك.
كأن فتات العهن في كل منزل
- نزلن به حب الفنا لم يحطم
يقول: كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة، حب عنب الثعلب في حال كونه غير محطم.
ظهرن من السوبان ثم جزعنه
- على كل قيني قشيب مفأم
يقول: علون من وادي السوبان ثم قطعنه مرة أخرى؛ لأنه اعترض لهن في طريقهن مرتين.
فلما وردن الماء زرقا جمامه
- وضعن عصي الحاضر المتخيم
يقول: فلما وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض، عزمن على الإقامة كالحاضر المتبني الخيمة.
فصل مدح السيدين
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
- رجال بنوه من قريش وجرهم
يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين.
يمينا لنعم السيدان وجدتما
- على كل حال من سحيل ومبرم
يقول: حلفت يمينًا نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية.
تداركتما عبسا وذبيان بعدما
- تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
يقول: تلافيتما أمر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة، أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر منشم.
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا
- بمال ومعروف من الأمر نسلم
يقول: وقد قلتما: إن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال وإسداء معروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر.
فأصبحتما منها على خير موطن
- بعيدين فيها من عقوق ومأثم
يقول: طلبتما الصلح بين العشائر وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الأرحام.
عظيمين في عليا معد وغيرها
- ومن يستبح كنزا من المجد يعظم
يقول: ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها، ثم دعا لهما فقال: هديتما إلى طريق الصلاح و النجاح والفلاح، ثم قال: من وجد كنزًا من المجد مباحًا واستأصله عظم أمره.
فصل ذكر الحرب
تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت
- ينجمها من ليس فيها بمجرم
يقول: تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل يعطيها نجومًا أي على دفعات متقطعة، من هو بريء الساحة بعيد عن الجرم في هذه الحرب.
ينجمها قوم لقوم غرامة
- ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
يقول: يتعجب ويقول: ينجمها قوم إلى قوم آخر ولم يريقوا مقدار ما يملأ محجمًا من الدماء والمحجم هو إبريق صغير يجمع فيه الدماء.
ألا مبلغ الأحلاف عني رسالة
- وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
يقول: أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم: قد حلفتم على إبرام حبل الصلح فتحرجوا من الحنث وتجنبوا.
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
- ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
- ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
- وما هو عنها بالحديث المرجم
يقول: ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها وهذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون.
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
- وتضر إذا ضريتموها فتضرم
يقول: أنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذُممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت.
فتعركم عرك الرحى بثفالها
- وتلقح كشافا ثم تحمل فتتئم
جعل إفناء الحرب إياهم بمزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات.
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
- كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
يقول: فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحرب كل واحد منهم، يضاهي في الشؤم عاقر الناقة وهو قدار بن سالف، ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم.
فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها
- قرى بالعراق من قفيز ودرهم
يقول: أن المضار المتولدة من هذه الحروب تربي على المنافع المتولدة من هذه القرى.
لعمري لنعم الحي جر عليهم
- بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم
وكان طوى كشحا على مستكنة
- فلا هو أبداها ولم يتجمجم
يقول: وكان حصين أضمر في صدره حقدًا وأخفى نيته فقد جعلها مستترة فيه ولم يظهرها لأحد، ولم يتقدم عليها قبل إمكان الفرصة.
وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي
- عدوي بألف من ورائي ملجم
قال حصين في نفسه: سأقضي حاجتي من قتل قاتل أخي أوأقتل كفء له، ثم أجعل بيني وبين عدوي ألف فارس ملجن فرسه.
فشد ولم تفزع بيوت كثيرة
- لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
يقول: فحمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه، ولم يفزع بيوتًا كثيرة.
لدى أسد شاكي السلاح مقذف
- له لبد أظفاره لم تقلم
يقول: عند أسد تام السلاح يصلح لأن يرمي به إلى الحروب والوقائع، فهو لا يعتريه ضعف ولا يعيبه عدم شوكة كما أن الأسد لا يقلم أظفاره.
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه
- سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم
يقول: هو شجاع متى ظُلم عاقب الظالم بظلمه وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس.
رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا
- غمارا تسيل بالرماح وبالدم
المعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما تُرعى الإبل مدة معلومة.
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا
- إلى كلأ مستوبل متوخم
يقول: فأحكموا وتمموا منايا بينهم، أي قتل كل واحد منهم صنفًا من الآخر، ثم أصدروا إبلهم إلى كلأ وبيل وخيم.
لعمرك ما جرت عليهم رماحهم
- دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
يقول: أقسم ببقائك وحياتك أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك الدماء.
ولا شاركوا في القوم في دم نوفل
- ولا وهب منهم ولا ابن المحزم
فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه
- صحيحات مال طالعات بمخرم
يمدح ذيبان ويقول: فكل واحد من القتلى أراهم يعقلونه بصحيحات إبل تعلو في طرق الجبال عند سوقها إلى أولياء المقتولين.
لحي حلال يعصم الناس أمرهم
- إذا طلعت إحدى الليالي بمعظم
يقول: الديات تذهب إلى حي البيوت، ويمدح هذا الحي أنه أقوياء ويحمون الناس، وإذا حدثت مصيبة للناس فهذا الحي يحميهم يقصد بذلك قبيلة عبس .
كرام فلا ذو الضغن يدرك تبنه
- ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
يقول: إنهم كرام ولا يستطيع أن يدرك الحاقد ثأره عندهم، والمجرم الذي يجني عليهم لن يسلم منهم.
فصل أبيات الحكمة
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
- ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
يقول: مملت مشاق الحياة وشدائدها، ومن عاش ثمانين سنة مل الكبر لا محالة.
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
- تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
يقول: رأيت المنايا تصب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة، كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة، ثم قال: من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته بلغ الهرم.
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
- ولكنني عن علم ما في غد عمي
يقول: قد يحيط بعلمي بما مضى وما حضر، ولكني عمي القلب عن الإحاطة بما هو منتظر ومتوقع.
ومن لا يصانع في أمور كثيرة
- يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
يقول: ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور، فإنه يُقتل ويطحن ويداس تحت أرجل الجمال.
ومن يجعل المعروف من دون عرضه
- يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
يقول: من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل بمعروفه عرَّض عرضه للذم والشتم.
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
- يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
يقول: ومن لا يكف أعداءه عن حوضه بسلاحه هُدم حوضه، ومن كف عن ظلم الناس ظلمه الناس.
ومن هاب أسباب المنية يلقها
- ولو رام أسباب السماء بسلم
يقول: من خاف وهاب أسباب المنايا نالته ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعًا، ولو رام الصعود إلى السماء فرارًا منها.
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه
- يطيع العوالي ركبت كل لهذم
المعنى من أبى الصلح ذلته الحرب ولينته.
ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه
- إلى مطمئن البر لا يتجمجم
يقول: من أوفى بعهده لم يلحقه ذم، ومن هدي قلبه إلى البر يطمئن قلبه إلى حسنه ويسكن.
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه
- ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
يقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاءه؛ لأنه لم يجربهم، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
- وإن خالها تخفى على الناس تعلم
يقول: ومهما كان للإنسان من خُلق فظن أنه يخفى على الناس عُلم ولم يخف، بمعنى آخر الأخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى.
معاني المفردات
الكلمة | المعنى |
الدمنة | ما تبقى من آثار الناس والديار |
الظعينة | الراحلة التي يرتحل عليها |
السحيل | الحبل على قوة واحدة |
الكَلمُ | الجرح |
الذود | الدفاع |
تام السلاح | تام السلام كامل الاستعداد |
أثافي | أحجار توضع عليها القدر فوق الموقد |
الحجة | السنة |
الصور الفنية في القصيدة
- ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجع وشم في نواشر معصم
- علون بأنماط عتاق وكلة
وراد حواشيها مشاكهة الدم
- كأن فتات العهن في كل منزل
نزلن به حب الفنا لم يحطم
- فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
- بكرن بكورًا واستحرن بسحرة
فهن لوادي الرس كاليد للفم
أساليب بلاغية في القصيدة
السجع : (تكلم: متثلم) (ذقتم: المرجم)
الطباق: (سحيل: مبرم) (يعص: يطيع) (عدو: صديق)
الجناس : (تعرككم: عرك) (أسباب: أسباب) (تضر: تضرم)