شرح لامية العرب للشنفرى
شرح لامية العرب للشنفرى
ناظم هذه القصيدة عمرو بن مالك الأزدي المعروف بــ (الشنفرى)، من قحطان شاعر جاهلي، كان من فتاك العرب وعدّائيهم، وهو أحد الخلعاء، الذين تبرأت منهم عشائرهم، قتله بنو سلامان، وقيست قفزاته ليلة مقتله، فكانت الواحدة منها قريبا من عشرين خطوة، وشرح القصيدة فيما يأتي:
- أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
- فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
- وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
يُخاطب الشنفرى قوم أمه لتهيئة الإبل وتجهيزها للرحيل أو للإغارة، وهو يدفعهم للسعي في الحياة، فهذا العدّاء لا يطيق طول الإقامة في ذات الموقع، ويُهددهم بالرحيل إلى غيرهم ممّن لديهم الرغبة في التنقل والبحث عن أسباب الحياة، ويقول: لقد قضيت حاجتي للرحيل فالليل مقمر وشدّت الأرحل على الدواب التي تُمتطى للرحيل، فلا داعي للانتظار.
- وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
- وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
- سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ
ليس من سبب للبقاء والأرض واسعة للكريم الذي يخاف البعض، إذ يستطيع برحيله البعد عن ذلهم وكراهيتهم، إلى مكان آخر يشعر به بالمحبة والاحترام، وفي هذه الأبيات معنى متكامل في تقريره الرحيل، إلى أرض واسعة لا يجد فيه ضيقًا ما دام يُرشده عقله.
- وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ
- وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ
هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ
- لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
يقول إنّه اتّخذ من النمر الأرقط ومن الضبع ذات العرف والذئب الخبيث أهلٌ، ويُفضل الشنفرى هذه الحيوانات على قومه وأهله؛ لأنّ السر غير منتشر عندهم والجاني غير منبوذ بسبب جرمه، فكل هذه الحيوانات الذي ذكرها مفترسة أيّ جانية، وعلى العكس المنبوذ هُنا ضحية الجاني.
- وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي
- إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ
- بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ
يجد الشاعر نفسه أفضل من هذه السباع، وأشجع لمطاردة الفرائس، ليكمل في ذكر فضائله فهو إذا حضر الطعام واجتمع الناس حوله لا يتعجل بمد يده للطعام، وذلك بسبب إبائه الشديد وقناعته، فهو كما ذكر صياد لا تنافسه السباع، إذا جاع اصطاد.
- وَلي صاحِبٌ من دونِهم لا يَخونني
- إِذا التبسَت كفِّي بِهِ يَتَأكّلُ
ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ
- وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ
هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها
- رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ
إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها
- مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ
يذكر الشاعر أسماء أصحابه الثلاثة، وهم القلب الشجاع والسيف المصقول والقوس، فهو يجد بقربهم العوض عن أهله، ثم أخذ الشاعر بوصف قوسه وصوتها المميز ونعومتها وصلابتها وزينتها التي تتحلى بها، وأنّها إذا انطلق منها السهم أخذت تصوّت كأنها امرأة ثكلى فقدت ولدها.
- أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ
- وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحاً فَأَذهَلُ
وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ
- عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ
وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ
- يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ
وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي
- عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ
يقول الشاعر أُماطل أمر الجوع وأتناسى ذكره حتى لا أشعر به، وإن غلب الجوع قدرتي على احتماله سوف أتناول التراب، وهو أحبّ عنده من مِنّة الناس وتطاولهم عليه، ولولا اجتناب المذمة سينعم بأنواع عديدة من الطعام والشراب، ولكن نفسه الحرة تأبى المذمة.
- وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا
- أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ
شَكا وَشَكَت ثُمَّ اِرعَوى بَعدُ وَاِرعَوَت
- وَلَلصَّبرُ إِن لَم يَنفَع الشَكوُ أَجمَلُ
وَإِلفُ هُمومٍ ما تَزالُ تَعودُهُ
- عِياداً كَحُمّى الرَبعِ أَو هِيَ أَثقَلُ
إِذا وَرَدت أَصدَرتُها ثُمَّ إِنَّها
- تَثوبُ فَتَأتي مِن تُحَيتٍ وَمِن عَلُ
يبحث الشاعر عن قوته الزهيد في الفلاة التي لا ماء فيها، ولا أنيس كالذئب ثم يصف حال الذئب الذي شبهه لنفسه سابقًا مع الذئاب الأخرى، فهو يشكي لها وهي تشكي له، ويدعوهم للصبر عوضًا عن الشكاية التي لا جدوى منها، ثم أنّ الشنفرى يتصدى للهموم باصطبار شديد، كي يبقى شامخًا ولكنها تُصرّ على الإيقاع به فتأتيه من كل اتجاه.
- وَيَومٍ مِنَ الشِعرى يَذوبُ لَوابُهُ
- أَفاعيهِ في رَمضائِهِ تَتَمَلمَلُ
نَصَبتُ لَهُ وَجهي وَلا كِنَّ دونَهُ
- وَلا سِترَ إِلّا الأَتُحَمِيَ المُرَعبَلُ
وَضافٍ إِذا هَبَّت لَهُ الريحُ طَيَّرَت
- لَبائِدَ عَن أَعطافِهِ ما تَرَجَّلُ
في يوم شديد الحر تتقلب فيه الأفاعي في جحورها من الحر، لا يجد هو ما يحتمي به إلا خرقة ممزقة، وشعر ملبّد من قلة الغسل والعناية، وهُنا إشارة إلى أنّه صعلوك لا مأوى له من الحر والبرد ليعيش به.
الأفكار الرئيسة في قصيدة لامية العرب
الأفكار الرئيسة في قصيدة لامية العرب فيما يأتي:
- الاجتهاد والسعي في الدنيا.
- التجلّد أمام نوائب الدهر وحوادثه.
- الحفاظ على عزة النفس.
معاني المفردات لامية العرب
في هذه القصيدة بعض المفردات التي تحتاج للتوضيح، نذكر بعضًا منها فيما يأتي:الكلمة | المعنى |
منأى | البعد. |
سيد عملس | الذئب السريع /الخبيث. |
الأرقط | النمر. |
زهلول | الفرس الجواد وصف به النمر لخفته في السير. |
عرفاء | العُرْفُ: شعر العنق وصفت به الضباع لكثرة شعر عنقها. |
أجشع | اشتدّ حرصه على الشيء، وطمع في نصيب غيره. |
الإصليت | السيف الصقيل. |
صفراء | القوس من نبع. |
الصور الفنية في لامية العرب
الصور الفنية في لامية العرب فيما يأتي:
- وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ بِأَعجَلِهِم
كناية عن قناعته وعدم جشعه.
- ذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها
- مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ
ظهر هُنا التشبيه التمثيلي من خلال تشبيه حالة القوس حينما ينطلق السهم عنه بحالة امرأة ثكلى فقدت ولدها.