شرح قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد
شرح أبيات قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد
يقول المتنبي :
لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي
وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي
وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ
وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ
وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى
مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ
يبدأ المتنبي في قصيدته بالحديث عن حالة العشق التي أصابته والتي برت قلبه وأخرجته عن طوره، وهو الرجل الذي لم يعهد العشق بالنساء والذي لا تفارق الدموع مقلتيه سواء رضي عنه المحب أم لا أنّه لو رضي عنه يُخاف سخطه أو بعده.
وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ
وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي
وَغَضبى مِنَ الإِدلالِ سَكرى مِنَ الصِبا
شَفَعتُ إِلَيها مِن شَبابي بِرَيِّقِ
وَأَشنَبَ مَعسولِ الثَنِيّاتِ واضِحٍ
سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبَّلَ مَفرِقي
يقول المتنبي إنّ أعذب الهوى ما يكون صاحبه شاكًا بالوصل لا متأكدًا منه ولا يائسًا منه، فهو يتحمل غضب المحبوبة ويراه دلالًا عليه، ولو أرادات تقبيله فيستر فمه عنها خجلًا فتقبل رأسه إجلالًا له.
وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ زُرنَني
فَلَم أَتَبَيَّن عاطِلاً مِن مُطَوَّقِ
وَما كُلُّ مَن يَهوى يَعِفُّ إِذا خَلا
عَفافي وَيُرضي الحِبَّ وَالخَيلُ تَلتَقي
سَقى اللَهُ أَيّامَ الصِبا ما يَسُرُّها
وَيَفعَلُ فِعلَ البابِلِيِّ المُعَتَّقِ
ثم يُكمل المتنبي مدحه لنفسه حيث إنّه من الرجال الذين يتعففون عن النساء في الخلوة حيث يحتفظ بنفسه للمرأة المعشوقة، ويسأل الله أن يسقيها المتعة والفرحة والسرور في حياتها.
إِذا ما لَبِستَ الدَهرَ مُستَمتِعاً بِهِ
تَخَرَّقتَ وَالمَلبوسُ لَم يَتَخَرَّقِ
وَلَم أَرَ كَالأَلحاظِ يَومَ رَحيلِهِم
بَعَثنَ بِكُلِّ القَتلِ مِن كُلِّ مُشفِقِ
أَدَرنَ عُيوناً حائِراتٍ كَأَنَّها
مُرَكَّبَةٌ أَحداقُها فَوقَ زِئبَقٍ
يقول إنّ الدهر يُبلي الإنسان ويُفنيه ويوم الفراق مع المحبوبة قتلته بلحاظها وهي التي كانت لشدة رهبة الموقف لا تُثبت عيونها وكأنّها على زئبق من شدة التحرك.
عَشِيَّةَ يَعدونا عَنِ النَظَرِ البُكا
وَعَن لَذَّةِ التَوديعِ خَوفُ التَفَرُّقِ
نُوَدِّعُهُم وَالبَينُ فينا كَأَنَّهُ
قَنا اِبنِ أَبي الهَيجاءِ في قَلبِ فَيلَقِ
قَواضٍ مَواضٍ نَسجُ داوُودَ عِندَها
إِذا وَقَعَت فيهِ كَنَسجِ الخَدَرنَقِ
هَوادٍ لِأَملاكِ الجُيوشِ كَأَنَّها
تَخَيَّرُ أَرواحَ الكُماةِ وَتَنتَقي
في لحظة الفراق تلك تمتلئ العين بالدموع حتى لا تستطيع الإبصار، كأنّ ذلك مثل رماح سيف الدولة في المعركة تلك الرماح التي كانت تتخير الملوك والأبطال فتقضي عليهم.
تَقُدُّ عَلَيهِم كُلَّ دِرعٍ وَجَوشَنٍ
وَتَفري إِلَيهِم كُلَّ سورٍ وَخَندَقِ
يُغيرُ بِها بَينَ اللُقانِ وَواسِطٍ
وَيُركِزُها بَينَ الفُراتِ وَجِلِّقِ
وَيُرجِعُها حُمراً كَأَنَّ صَحيحَها
يُبَكّي دَماً مِن رَحمَةِ المُتَدَقِّقِ
كأنّ تلك الرماح لا تقف بوجهها خنادق ولا دروع ولا نحو ذلك، فهي تتسابق إلى القتل والقتال ما بين اللقان وواسط وحتى العراق ، حتى تصل أخيرًا بعضها صحيح وبعضها متكسر من الطعان فتبكي السليمة على المكسورة فترثيها.
فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ
شُجاعٌ مَتى يُذكَر لَهُ الطَعنُ يَشتَقِ
ضَروبٌ بِأَطرافِ السُيوفِ بَنانُهُ
لَعوبٌ بِأَطرافِ الكَلامِ المُشَقَّقِ
كَسائِلِهِ مَن يَسأَلُ الغَيثَ قَطرَةً
كَعاذِلِهِ مَن قالَ لِلفَلَكِ اِرفُقِ
ولكن لا يجب على أحد أن يُخبر الممدوح بما قيل عنه فمتى سمع وصف المعارك اشتق إليها فهو المُحسن في التصرف فيها، وهو الرجل القوي الذي لا يجب على السائل أن يسأله لأنّه بذلك كمن يسأل المطر قطرة ومن يسأل الفلك أن يكف عن حركته.
معاني المفردات في قصيدة لعينيك ما يلقي الفؤاد
وردت في القصيدة مجموعة من المفردات التي لا بدّ من الوقوف مع معانيها وهي كالآتي:
المفردة | المعنى |
البابِلِيِّ | أي الخمر المعتقة وهو نسبة إلى بابل . |
قواض | أي قواتل وهو في القصيدة يقصد الرماح. |
الجوشن. | أي الدرع الذي يلبسه المقاتل في الحرب ليحتمي به. |
اللقان | هي بلد من بلاد الروم المعروفة. |
الصور الفنية في قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد
وردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية التي لا بدّ من الوقوف معها وهي كالآتي:
- يَلقى الفُؤادُ
جعل الفؤاد مثل الإنسان الذي يتلقى الأمور السيئة أو الحسنة، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية .
- وَأَحلى الهَوى
أي جعل الهوى حلوًا مثل الطعام الذي يتمتع بذلك المذاق، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
- وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ
أبقى على المشبه والمشبه به و أداة التشبيه وحذف وجه الشبه، وهو ذلك تشبيه مجمل.