شرح قصيدة سفر وترحال
شرح قصيدة سفر وترحال
قصيدة سفر وترحال أو "ملومكما يجلُّ عن الملامِ" للشاعر أبي الطيب المتنبي، كُتبت في العصر العباسي، ويبلغ عدد أبياتها اثنين وأربعين بيتًا، ونظمها استعراضًا لقوته وشجاعته، وما يمتاز به من الأخلاق الحميدة، وكُتبت على البحر الوافر، أحد أنواع بحور الشعر ، وفيما يأتي شرح لبعض أبياتها:
مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ
- وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
يصف الشاعر نفسه بأنّه الذي وقع عليه اللوم؛ أي عُوقِبَ من قِبل صاحبيه، بسبب طلبه للمجد متحديًا المخاطر، وهو الذي لم يفعل شيئًا يستحق عليه الملام، فأفعاله تتحدث عنه بما يفوق الوصف والكلام.
ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ
- وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
يطلب المتنبي هنا من صاحبيه أن يتركاه يسلك الطريق بغير دليل، فهو الخبير الذي يمشي في منتصف النهار ومع شدة الحر بغير غطاء يحمي وجهه، فهو معتادٌ على ذلك.
فَإِنّي أَستَريحُ بِذي وَهَذا
- وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ
يُعبّر الشاعر هنا عن كونه يستريح عندما يسير في الصحراء دون دليل، كما يستريح في سيره بالظهيرة، ولكن الراحة والإقامة والخمول يُتعبانه.
عُيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَيني
- وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي
البغام: صوت الإبل، ويقول الشاعر إنَّه عندما يفقد الطريق فعيون ناقته ستهديه وتسير بلا ضلال وتقوده نحو الطريق، ويقول إنّه يهتدي بصوت الناقة المتعبة، فهي لا تئن وتشعر بالتعب إلا عندما تسير على الطريق الصحيح.
فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ
- سِوى عَدّي لَها بَرقَ الغَمامِ
يهتدي الشاعر إلى مكان ما كما يفعل العرب؛ إذ يقومون بعد البرق، فهم يستدلون على الأمطار من خلال متابعة البرق.
يُذِمُّ لِمُهجَتي رَبّي وَسَيفي
- إِذا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِمامِ
يقول هنا إنّ المرء عندما يحتاج إلى ذمة تحميه فهو يكون في ذمة الله أولًا، ثم ذمة سيفه.
وَلا أُمسي لِأَهلِ البُخلِ ضَيفًا
- وَلَيسَ قِرىً سِوى مُخِّ النِعامِ
يقول الشاعر هنا إنّه لن يحل ضيفًا على بخيل، حتى ولو لم يكن لديه ما يسدّ رمقه بتاتًا، فالبخيل لا يُقدّم سوى مخ النعام، والنعام لا مخ له.
فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبّاً
- جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ
يقول الشاعر إنّ الحب بين الناس صار مكرًا وخداعًا؛ إذ يبتسمون وقلوبهم مليئة بالمكر والخبث، فصار يرد لهم ابتسامتهم بالمثل.
وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ
- لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ
أصبح الشاعر يشك بأصحابه بسبب انتشار الفساد ؛ وذلك لأنّه يعلم أنهم كسائر البشر، والكمال لا يكون إلا لله وحده.
يُحِبُّ العاقِلونَ عَلى التَصافي
- وَحُبُّ الجاهِلينَ عَلى الوَسامِ
يحب الإنسان العاقل أخاه الإنسان على صفائه ومحبته وإخلاصه وليس الكذب، أمّا حُبّ الجاهلين يكون مبنيًا على الشكل والهيئة والرياء، وهذا أمر الجاهل.
وَآنَفُ مِن أَخي لِأَبي وَأُمّي
- إِذا ما لَم أَجِدهُ مِنَ الكِرامِ
يقول الشاعر هنا إنّ أخاه من أمه وأبيه لو كان لئيمًا لأبتعدُ عنه، وأرفضُ أن يكون لي أخ بلؤمه.
أَرى الأَجدادَ تَغلِبُها كَثيرًا
- عَلى الأَولادِ أَخلاقُ اللِئامِ
يقول الشاعر إنّ الأبناء لو نشؤوا على اللؤم فهم سيمحون ما جاء قبلهم من كرم أي؛ يمحون كرم الآباء والأجداد بلؤمهم.
وَلَستُ بِقانِعٍ مِن كُلِّ فَضلٍ
- بِأَن أُعزى إِلى جَدٍّ هُمامِ
يقول الشاعر هنا إنّه لا يرضى أن ينسب بفضله إلى أبيه وأمه، فإن لم يكن فاضلًا بذاته فلن يُغنيه فضل جده.
عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
- وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
يعجب الشاعر هنا ممّن توفرت فيه كل تلك الصفات، ولكنه لا يُريد الوصول إلى المكانة المناسبة التي ينبغي عليه الوصول إليها، وإنّّما يكتفي بأن يُنسب إلى أبويه، فهم بذلك يشبهون السيف الذي لا يقطع.
وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي
- فَلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ
يتعجّب الشاعر هنا ممّن وجد طريق المعالي، ولكنه لم يسعَ للوصول إليها.
معاني مفردات قصيدة سفر وترحال
فيما يلي مجموعة من المفردات التي ارتأينا توضح معانيها للقارئ، وهي كالتالي:المفردة | معنى المفردة |
ملومكما | من يأتي بما يلام أو يوبخ عليه. |
الهجير | النبات اليابس الذي كسرته الماشية. |
رواحلي | الجمال التي يركب عليها. |
الإناخة | الإقامة بالمكان. |
البغام | صوت الإبل. |
رازحة | الضعف والالتصاق بالأرض من الإرهاق والتعب. |
يذم/الذمام المعاهدة | يعاهد. |
قرى | الكرم والضيافة. |
خبًا | الخداع والمكر. |
أنف | أكره وابتعد. |
أعزى | أنسب. |
همام | سيد شجاع. |
القضِم | المكسور الذي لا يقطع. |
الكهام | السيف الذي لا يقطع. |
المطي | الإبل. |
الأفكار الرئيسية في قصيدة سفر وترحال
تتضمّن قصيدة المتنبي سفر وترحال عددًا من الأفكار الرئيسة، وهي كالآتي:
- لوم صديقيه له على اجتيازه المخاطر من أجل وصوله للمجد، ولكنه لا يبالي بذلك، فهو الخبير في تلك المسالك التي يسلكها.
- عدم مُبالاته بالطريق التي يسلكها واهتدائه بناقته.
- النقص والقصور التي يُعاني منها الشاعر.
- الجهلاء يُحبّون الناس على الشكل، أمّا العقلاء فيحبونهم على التصافي.
- الأبناء اللئام يقضون بلؤمهم على سيرة آبائهم وأجدادهم الحسنة.
- اعتماد الأبناء الكسولين على ما فعله آباؤهم وأجدادهم، وعدم التقدم بأنفسهم وأفعالهم.
- عيب الإنسان الذي يكون ناقصًا، ولكنَّه يملك القدرة على الكمال.
الصور الفنية في قصيدة سفر وترحال
تحتوي قصيدة سفر وترحال على العديد من الصور الفنية ، وهي كالآتي:
- مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ
:::وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
ورد في الشطر جناس ناقص أعطى جرسًا موسيقيًا وهو في "الملام، الكلام"؛ كناية عن الثقة بالنفس ، وهو كناية عن صفة.
- ذَراني وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ
:::وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
كناية عن التحدي، وهي كناية عن صفة.
- عيون رواحلي إن حرتُ عيني
:::وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي
شبّه عيون رواحله بعينه، وفي ذلك دلالة على حبّه الشديد لها، وهي استعارة تصريحية؛ لأنّه صرّح بالمشبّه به.
- فقد أرد المياه بغير هادٍ
كناية عن العلم بمورد الماء، وهو كناية عن صفة.
- يُذِمُّ لمُهجتي ربي وسيفي
:::إِذا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِمامِ
تُعدّ الصورة الفنيّة استعارةً مكنيّة ؛ حيث شبّه الشاعر الذمة بشخص يعاهد، وفيه كناية عن الاعتزاز بالنفس والقوة وهي كناية عن صفة.
- وَلا أُمسي لِأَهلِ البُخلِ ضَيفًا
:::وليس قِرى سوى مُخِّ النِعام
تشبيه تمثيلي؛ حيث شبّه الشاعر الطعام الذي يقدمه البخيل بمخ النعام، وهي استعارة تصريحية.
- عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
شبّه الشاعر الشباب المتكاسلين بالسيوف التي لا تقطع، وهي استعارة مكنية، وكناية عن الضعف "كناية عن الصفة".