شرح قصيدة الكرم للحطيئة
شرح قصيدة الكرم للحطيئة
قصيدة الكرم؛ هي من القصائد التي كتبها الشاعر المخضرم الحطيئة الذي دخل الإسلام في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكانت حياة الحطيئة فيها ظلم وحرمان وقلة عون ممّا جعله يمتهن الشعر، وأثّرت طبيعة حياته على قصائده وسماتها، وتجلى هذا بشكل كبير في قصيدته الكرم، التي تتشكل من 14 بيتاً نُظمت على البحر الطويل وقافية الميم، وشرح أبيات القصيدة فيما يأتي:
الأبيات 1-3
يقول الحطيئة:
وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
- بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ
- يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى
وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزائَها
- ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهما
يتحدث الحطيئة في هذه الأبيات حول أعرابي كريم يعيش في الصحراء حياةً خشنةً وصعبةً، مما جعله يعيش ثلاث ليال بلا مأكل، حيث إنّ صحراءه التي يحيا بها قاحلةً ليس فيها أثر للعمران، مما جعله يربط على بطنه ويعصبه بحبل من شدة ألم الجوع.
ينتقل الحطيئة ليصف حال الأعرابي بأنّ شدة وخشونة عيشه جعلته يبتعد عن الناس، ولكن في الوقت ذاته بات هذا الأعرابي يرى أنّ حرمانه وفقره نعمة، حيث كان سبباً لابتعاده عن الناس واعتزالهم، ثم يتطرق للحديث عن أبناء الأعرابي الذين أصبحوا مثل صغار الغنم الهزيلة النحيلة من شدة ما أصابهم من قسوة العيش وصعوبته.
الأبيات 4-6
يقول الحطيئة:
رَأى شَبَحاً وَسطَ الظَلامِ فَراعَهُ
- فَلَمّا بَدا ضَيفاً تَسَوَّرَ وَاِهتَمّا
وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ
- أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّر لَهُ طُعما
وَلا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا
- يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا
يتحدث الحطيئة في هذه الأبيات حول شبح أو خيال رآه الأعرابي من بعيد فهذا الشبح جعله يخاف ويشك في نفسه، ولكن عندما اقترب تبين أنّه ضيف يزوره وهُنا دخل الأعرابي في هم أكبر؛ حيث إنّه لا يملك ما يُطعم به نفسه فكيف سيُؤدي حق ضيفه؟ فأخذ الأعرابي يبتهل ويتضرع إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء أن يرزقه طعاماً ليُؤدي حق ضيفه.
ينتقل الحطيئة إلى بيت شعري مليء بمعاني الكرم والأخلاق أنّ ابن الأعرابي عندما رأى أباه في حيرة من أمره وأصابه العسر، أخذ يقترح على أبيه أن يذبحه ويُقدمه للضيف حتى يظن الضيف أنّهم ذو مال وغنى فيتجنبوا بذلك ذمه لهم بين قبائل العرب.
الأبيات 7-12
يقول الحطيئة:
فَرَوّى قَليلاً ثُمَّ أَجحَمَ بُرهَةً
- وَإِن هُوَ لَم يَذبَح فَتاهُ فَقَد هَمّا
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ
- قَدِ اِنتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظما
عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَاِنسابَ نَحوَها
- عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظما
فَأَمهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها
- فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهما
فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ
- قَدِ اِكتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحما
فَيا بِشرَهُ إِذ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ
- وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَها يَدمى
في هذه الأبيات تبدأ عُقدة الأعرابي بالتفكك، حيث عمد الحطيئة في هذه الأبيات الستة إلى رفع مستوى الأحداث لمرحلة الذروة من التعقيد ثم ما لبث أن جعلها تتفكك شيئاً فشيئاً، حيث بدأ الأعرابي بالتفكير بالعرض الذي عرضه عليه ابنه، وهو ذبحه وتقديمه طعاماً للضيف، وبعد طول تفكير وحيرة استقر رأي الأعرابي على ذبح ابنه.
لكن في لحظة واحدة جاء فرج الله -سبحانه وتعالى- للأعرابي، حيث رأى من بعيد قطيع من البقر الوحشي تسير نحو عين الماء لتشرب، فلما رآها دنا منها وتركها حتى تشرب وترتوي ومن ثم اختار واحدةً منها فاصطادها وذبحها، فلما رأى أهله صيده استبشروا وكانوا فرحين بنجاة ابنهم من الذبح، كما أنّهم سيسطتعون إكرام ضيفهم.
الأبيات 13-14
وهذين البيتين من قصيدة الكرم هما:
فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم
- فَلَم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِموا غُنما
وَباتَ أَبوهُم مِن بَشاشَتِهِ أَباً
- لِضَيفِهِمُ وَالأُمُّ مِن بِشرِها أُمّا
يختتم الحطيئة قصيدته بمشهد فيه معاني أخلاقية ومعنوية وجمالية كبيرة، إذ إنّ الأعرابي قد بات في ليلته كريماً عزيزاً، كما يجب لأهل المروءة أن يكونوا قد أدوا حق ضيفهم، ولم يتكلفوا بذلك التضحية بابنهم بل ربحوا ربحاً كبيراً، حتى إنّه من شدة سروره أعاد تأكيد معاني حقيقية وأصيلة، إذ أكّد أُبوته لأبنائه وكرمه للضيف، وأكّد أمومة زوجته لأبنائها وفرحها بالضيف.
الأفكار الرئيسة في قصيدة الكرم للحطيئة
وردت في قصيدة الكرم للحطيئة العديد من الصور الفنية، ومنها الآتي:
- وصف حالة الأعرابي الأب وأولاده وعيشهم الصعاب في الصحراء.
- وصول الضيف ودخول الأب بحالة من الحزن والهم.
- حوار الابن مع والده وعرضه على أبيه بأن يذبحه لتقديمه طعاماً للضيف.
- مجيء اليُسر بعد العُسر، وتمثل ذلك بظهور قطيع استطاع الأب أن يصطاد منها واحدة.
- استبشار وفرحة الأب والأم والأبناء بالصيد الذي ناله واستطاعتهم إكرام الضيف.
معاني مفردات قصيدة الكرم للحطيئة
من معاني مفردات قصيدة الكرم للحطيئة ما يأتي:الكلمة | المعنى |
طاوي | ضمر من الجوع. |
عاصب | نشف الريق في الفم. |
تخالهم | تظنهم وتتوهم. |
تسوّر | جاء يتسلل باستخفاء. |
أحجم | كف ونكص. |
برهة | مدة من الزمن. |
أظما | العطش الشديد. |
كلمها | جرحها. |
يدمي | يسيل الدم. |
الصور الفنية في قصيدة الكرم للحطيئة
اشتملت قصيدة الكرم للحطيئة على العديد من الصور الفنية، وأبرزها ما يأتي:
- وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
تصوير الأب لنفسه، وقد عصب بطنه بعصبه ليُخفف ألم الجوع، ونوع التشبيه فيه تشبيه تمثيلي.
- ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهما
شبّه أبناءه من شدة نحولهم بأبناء الشاة الذين أصابهم الهزل والمرض والتعب، وهو تشبيه تمثلي.
- وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ
- أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّر لَهُ طُعما
شبّه الحطيئة الأب الذي أخذ يُفكر في ذبح ابنه لتقديمه طعاماً للضيف ثم ظهور القطيع الذي اصطاد منه صيداً، بمشهد من القرآن الكريم حينما همّ سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه وفداه الله سبحانه وتعالى بكبش عظيم، والتشبيه، حيث استوحاه الشاعر من ثقافته الإسلامية المتأثرة بالقرآن الكريم.