شرح قصيدة الأصمعي صوت صفير البلبل
مناسبة القصيدة
يُحكى أنّ أبا جعفر المنصور كان قد ضيّق على الشعراء في خلافته حيث أعلن عن جائزة ثمينة لمَن يقول قصيدة لم يسمعها من قبل، وكانت الجائزة أن يهب للشاعر وزن ما كُتبت عليه القصيدة ذهبًا وكان في ذلك مكر وحيلة، حيث إنّ الخليفة أبو جعفر المنصور ما يقدر على حفظ القصيدة التي تقال أمامه من المرة الأولى.
وكان لا يكتفي بذلك يُنادي على غلامه -الذي يحفظ القصيدة من المرة الثانية- بعد أن يُلقي القصيدة بنفسه ويقول ها هو أيضًا يروي القصيدة وهو يعرفها ويكون الغلام قد حفظها مرة ثانية إلقاء الملك، وبذلك ضاق الشعراء ذرعًا بما يحدث معهم، فخطر على بال الأصمعي أن يقوم بفعل يؤدب به المنصور على فعلته، فألف قصيدة جمع فيها ألفاظًا غريبة عديدة وجعلها آية الأدب.
شرح قصيدة صوت صفير البلبل
قال الأصمعي فيها:
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ
:::هَيَّجَ قَلبِي الثّمل
الماءُ وَالزَهرُ مَعاً
:::مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
يبدأ الشاعر في قصيدة صوت صفير البلبل بوصف الحزن والأسى الذي يعانيه جراء ابتعاده عن المحبوبة، وكأن صوت ذلك البلبل قد أثار في نفسه ما نسيه من مشاعر الحب تجاه تلك المرأة التي كان يحب.
وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي
:::وَسَيِّدِي وَمَولى لِي
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي
:::غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
لما أثار ذلك البلبل لواعج الحب في نفس الأصمعي تذكر أن عطايا الملوك لا تشبه عطايا غيرهم، فتمنى على أبي جعفر المنصور أن يهبه المرأة التي يحب وأن يعطيها له، وشبه المرأة التي يعشقها ب الغزال الصغير الذي تشوب الحمرة خديه.
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ
:::مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
فَقالَ لا لا لا لا لا
:::وَقَد غَدا مُهَرولِ
إنّ حمرة الخد في محبوبته لا تظهر إلا عند خجلها، وقد اكتشف تلك الحمرة عندما أقبل على تقبيلها في مرة من المرات فعلت الحمرة خديها ثم فرّت هاربة منه وهي تصرخ أن لا على فعلته.
وَالخُوذُ مالَت طَرَباً
:::مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت
:::وَلي وَلي يا وَيلَ لِي
فَقُلتُ لا تُوَلوِلي
:::وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي
قالَت لَهُ حينَ كَذا
:::اِنهَض وَجد بِالنقَلِ
إلا أنّهما في مشهد القبلة لم يكونا وحدها فقد رأى بعضًا من النساء الحسناوات اللاتي صرن يتمايلن طربًا إثر قبلته لها، فلما صارت تولول هاربة منه قال لها الشاعر أن لا تولولي بل بيني لي أسنانك أي أنه يريد أن يرى ابتسامتها، فقالت له لو أردت رؤية ابتسامتي ما عليك سوى أن تطلبني إلى بيتك فأكون ملكًا لك وزوجك.
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي
:::قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمتُها بِأَنَفي
:::أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ
فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي
:::بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي
وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي
:::وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب
:::طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي
وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي
:::وَالرَقصُ قَد طابَ لِي
ثم أكملت الفتاة حديثها للشاعر موحية له أنها مرغوبة من الرجال وليست سلعة بالية، حيث إنّ بعضًا من الفتيان قد قدموا لها القهوة ذات رائحة عبقة، رائحتها تشبه رائحة القرنفل، وكان المجلس مزهرًا بأنواع الطرب والموسيقا والتمايل، حتّى أن سقف البيت المصنوع من أوراق السفرجل يُشاركهم الفرح والسعادة.
شَوى شَوى وَشاهش
:::عَلى حِمارِ أَهزَلِ
يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ
:::كَمَشيَةِ العَرَنجلِ
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي
:::فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع
:::خَلفي وَمِن حُوَيلَلي
لَكِن مَشَيتُ هارِباً
:::مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
ثم ينتقل الشاعر للحديث عن موقعه من النّاس في المدينة حيث إنّه مكروه فيها، فهو يركب على حمار هزيل كأنّه يمشي على ثلاثة لشدة بطئه وكأنّه الجمل العجوز، والنّاس من حوله يرجمونه بالحجارة والكلام لشدة كرهمهم له.
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
:::مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ
:::حَمراء كَالدَم دَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِياً
:::مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي
:::مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت
:::يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي
أَقولُ فَي مَطلَعِها
:::صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ
يحكي الشاعر أن طريقه ذلك الذي عانى فيه من النّاس كان من أجل وصوله إلى الخليفة الكريم الذي سيأمر له بالأعطيات الجزيلة، ثم يأتي على وصف ذاته بأنّه الأديب المتفرد من أرض الموصل من العراق، وينهي قصيدته بما ابتدأ به من الكلام.
شرح مفردات صوت صفير البلبل
من المفردات الغريبة التي وردت في قصيدة صوت صفير البلبل:المفردة | المعنى |
الثمل | الرجل الثمل هو الذي شرب كثيرًا حتى أن الشراب أخذ منه عقله وأفقده صحوته. |
المقل | المقل هي الشحمة التي تجمع ما بين سواد العين وبياضها. |
أهزل | ضعيف ليس فيه قوى ولا يستطيع شيئًا. |
العقنقل | المكان الذي فيه فجوة واسعة يخشى الإنسان الوقوع فيها وهو مثل الوادي العظيم. |
الألمعي | أي النشيط المتفرد في ذكائه وفي عمله. |
الأفكار الرئيسة في قصيدة صوت صفير البلبل
وردت مجموعة من الأفكار في قصيدة صوت صفير البلبل منها:
- ذكر المحبوبة والشوق لها وتسلية النفس ب صوت البلبل .
- ذكر الحديث الذي دار بين الشاعر والمحبوبة.
- توصيف المحبوبة لعشق الناس لها وإعجاب الفتيان فيها.
- كره الناس للشاعر في المدينة.
- طمع الشاعر بعطاء الخليفة.