شعر عن دمشق الياسمين
قصيدة طريق دمشق
يقول محمود درويش :
- من الأزرق ابتدأ البحرُ
- هذا النهار يعود من الأبيض السابقِ
- الآن جئتُ من الأحمر اللاحقِ..
- اغتسلي يا دمشق بلوني
- ليُولَدَ في الزمن العربيِّ نهار
- أحاصركم: قاتلاً أو قتيلْ
- وأسألكم, شاهداً أو شهيدْ:
- متى تفرجون عن النهر حتى أعود إلى الماء أزرقَ
- أخضر
- أحمر
- أصفرَ أو لون يحدّده النهرُ
- إنّي خرجتُ من الصيف والسيفِ
- إنّي خرجتُ من المهد واللحدِ
- نامت خيولي على شجر الذكرياتِ
- ونمتِ على وتر المعجزاتِ
- ارتدتني يداكِ نشيداً إذا أنزلوه على جبل, كان سورةَ
- ((ينتصرون))....
- دمشق. ارتدتني يداك دمشق! ارتديت يديك,
- كأنّ الخريطة صوتٌ يُفرِّخ في الصخرِ
- نادى... وحركني
- ثم نادى ..وفجَّرني
- ثم نادى.. وقطّرني ك الرخام المذاب
- و نادى
- كأن الخريطة أُنثى مُقَدَّسةٌ فجّرتني بكارتُها. فانفجرتُ
- دفاعاً عن السرٍّ والصخرِ
- كوني دمشق
- فلا يعبرون !
- من البرتقاليِّ يبتدئ البرتقالُ
- ومن صمتها يبدأ الأمسُ
- أو يولد القبرُ
- يا أيّها المستحيل يسمونك الشامَ !
- أفتحُ جرحي لتبتدئ الشمسُ. ما اسمي؟ دمشق
- وكنت وحيداً
- ومثليَ كان وحيداً هو المستحيل
- أنا ساعة الصفر دقَّتْ
- فشقَّت
- خلايا الفراغ على سرج هذا الحصان
- المحاصر بين المياه
- أنا ساعة الصفر
- جئت أقول :
- أحاصرهم قاتلاً أو قتيل
- أعدُّ لهم ما استطعتُ...وينشقُّ في جثتي قمرُ المرحلهْ
- وأمتشق المقصلهْ
- أحاصرهم: قاتلاً أو قتيل
- وأنسى الخلافة في السفر العربيِّ الطويل
- إلى القمح و القدس والمستحيل
- يؤرِّخني خنجران:
- العدوُّ
- وعورةُ طفل صغير تسمّونهُ
- بردى
- وسمَّيته مبتدأ
- وأخبرته أنني قاتل أو قتيل
- ((من الأسود ابتدأ الأحمرُ...ابتدأ الدمُ ))
- هذا أنا . هذه جثتي
- أيّ مرحلة تعبر الآن بيني وبيني!
- أنا الفرق بينهما
- همزة الوصل بينهما
- قبلة السيف بينهما
- طعنة الورد بينهما
- آه ما أصغر الأرضَ!
- ما أكبر الجرحَ...
- مُرّوا
- لتتَّسع النقطةُ, النطفةُ ’ الفارقُ’
- الشارعُ ’ الساحلُ ’ الأرضُ...
- ما أكبرَ الأرضَ!
- ما أصغَر الجرحَ
- هذا طريق الشام.. و هذا هديل الحمام
- و هذا أنا.. هذه جثتي
- و التحمنا
- فُمّروا ..
- خذوها إلى الحرب كي أنهي الحرب بيني وبيني
- خُذوها.. أحرقوها بأعدائها
- أنزلوها على جبل غيمةً أو كتاباً
- ومُرّوا...
- ليتسع الفرق بيني و بين اتهامي
- طريق دمشق
- دمشق الطريق
- ومفترق الرسل الحائرين أمام الرماديّ
- إني أغادر أحجاركم ليس مايو جدارا
- أغادر أحجاركم وأسير
- وراء دمي في طريق دمشق
- أحارب نفسي... وأعداءها
- ويسألني المتعبون ’ أو المارة الحائرون عن اسمي
- فأجهلهُ
- اسألوا عشبة في طريق دمشق !
- وأمشي غريباً
- ويسألني الفتيات الصغيرات عن بلدي
- فأقول : أفتش فوق طريق دمشق
- وأمشي غريباً
- ويسألني الحكماء المملون عن زمني
- فأشير إلى حجر أخضر في طريق دمشق
- وأمشي غريباً
- ويسألني الخارجون من الدير عن لغتي
- فأعدُّ ضلوعي وأخطئ
- إنَّي تهجَّيتُ هذي الحروف . فكيف أركِّبها؟
- دال. ميم. شين. قاف
- فقالوا: عرفنا – دمشق !
- ابتسمتُ. شكوتُ دمشق إلى الشام :
- كيف محوت ألوف الوجوه
كومازال وجهكِ واحدْ !
- لماذا انحنيت لدفن الضحايا
- ومازال صدركِ صاعدْ !
- وأمشي وراء دمي . وأطيع دليلي
- وأمشي وراء دمي نحو مشنقتي
- هذه مهنتي يا دمشق...
- من الموت تبتدئين . وكنت تنامين في قاع صمتي ولا
- تسمعين...
- وأعددتِ لي لغةً من رخام وبرق
- وأمشي إلى بردى ’ آه مستغرقاً فيه أو خائفاً منه..
- إنَّ المسافة بين الشجاعة والخوفِ
- حُلْمٌ
- تجسَّد في مشنقهْ
- آه ’ ما أوسع القبلة الضيِّقهْ!
- وَأرَّخَني خنجران:
- العدوَّ
- ونهر يعيش على مَهَلِ
- هذه جثتي , وأنا
- أفقٌ ينحني فوقكم
- أو حذاء على الباب يسرقه النهرُ
- أقصد:
- عودةَ طفل صغير يسمّونه
- بَرَدى
- وسميته مبتدأ
- وأخبرته أنني قاتل أو قتيل
- تُقَلِّدني العائدات من النَّدَم الأبيضِ
- الذاهباتُ إلى الأخضر الغامضِ
- الواقفاتُ على لحظة الياسمين
- دمشق! انتظرناك كي تخرجي منك
- كي نلتقي مرة خارج المعجزات
- انتظرناكِ..
- والوقت نام على الوقتِ
- والحب جاء، فجئنا إلى الحربِ
- نغسل أجنحة الطير بين أصابعك الذهبيّةِ
- يا امرأة لونها الزبد العربيُّ الحزين.
- دمشق الندى والدماءِ
- دمشق النداء
- دمشق الزمان.
- دمشق العرب!
- تُقلّدني العائدات من النَّدَم الأبيضِ
- الذاهباتُ إلى الأخضر الغامضِ
- الواقفاتُ على ذبذبات الغضب
- ويحملك الجند فوق سواعدهم
- يسقطون على قدميك كواكبَ
- كوني دمشق التي يحلمون بها
- فيكون العرب
- قلتُ شيئا، وأُكمله يومَ موتي وعيدي
- من الأزرق ابتدأ البحرُ
- والشام تبدأ مني أموت
- ويبدأ في طرق الشام أسبوعُ خَلْقي
- وما أبعد الشام، ما أبعد الشام عني
- وسيف المسافة حزَّ خطاياي.. حز وريدي
- فقرَّبني خنجران:
- العدوُّ و موتي
- وصرتُ أرى الشام.. ما أقرب الشام مني
- ويشنقني في الوصول وريدي..
- وقد قلتُ شيئاً ’ وأُكملُهُ:
- كاهنُ الاعترافات ساومني يا دمشقُ
- وقال: دمشق بعيدهْ
- فكسَّرْتُ كرسيّهُ’ وصنعتُ من الخشب الجبلي صليبي
- أراك على بُعْدِ قلبين في جسدٍ واحدٍ
- وكنتُ أُطلُّ عليك خلال المسامير
- كنتِ العقيدهْ
- وكنتُ شهيد العقيدهْ
- وكنتِ تنامين داخل جرحي
- وفي ساعة الصفر , تمَّ اللقاء
- وبين اللقاء وبين الوداع
- أودِّعُ موتي... وأرحلُ
- ما أجمل الشام، لولا الشامُ، و في الشامِ
- يبتدئ الزمن العربيُّ و ينطفئ الزمن الهمجيُّ
- أنا ساعة الصفر دقّتْ
- وشقَّتْ
- خلايا الفراغ على سطح هذا الحصان الكبير الكبير
- الحصان المحاصر بين المياه
- وبين المياه
- أعِدُّ لهم ما استطعتُ ..
- وينشقُّ في جثتي قمرٌ.. ساعةُ الصفر دقّتْ،
- وفي جثتي حبّة أنبتت للسنابلِ
- سبع سنابلَ، في كل سنبلةٍ ألفُ سنبلةٍ ..
- هذه جثتي.. أفرغوها من القمح ثم خذوها إلى الحرب
- كي أنهي الحرب بيني و بيني
- خذوها أحرقوها بأعدائها
- خذوها ليتسع الفرق بيني وبين اتهامي
- وأمشي أمامي
- ويولد في الزمن العربي.. نهار
قصيدة مبيتي من دمشق
يقول المتنبي :
مَبيتي مِن دِمَشقَ عَلى فِراشِ
- حَشاهُ لي بِحَرِّ حَشايَ حاشِ
لَقى لَيلٍ كَعَينِ الظَبيِ لَوناً
- وَهَمٍّ كَالحُمَيّا في المُشاشِ
وَشَوقٍ كَالتَوَقُّدِ في فُؤادِ
- كَجَمرٍ في جَوانِحَ كَالمِحاشِ
سَقى الدَمُ كُلَّ نَصلٍ غَيرِ نابٍ
- وَرَوّى كُلَّ رُمحٍ غَيرِ راشِ
فَإِنَّ الفارِسَ المَنعوتَ خَفَّت
- لِمُنصِلِهِ الفَوارِسُ كَالرِياشِ
فَقَد أَضحى أَبا الغَمَراتِ يُكنى
- كَأَنَّ أَبا العَشائِرِ غَيرُ فاشِ
وَقَد نُسِيَ الحُسَينُ بِما يُسَمّى
- رَدى الأَبطالِ أَو غَيثَ العِطاشِ
لَقوهُ حاسِراً في دِرعِ صَربٍ
- دَقيقِ النَسجِ مُلتَهِبِ الحَواشي
كَأَنَّ عَلى الجَماجِمِ مِنهُ ناراً
- وَأَيدي القَومِ أَجنِحَةُ الفَراشِ
كَأَنَّ جَوارِيَ المُهَجاتِ ماءٌ
- يُعاوِدُها المُهَنَّدُ مِن عُطاشِ
فَوَلَّوا بَينَ ذي روحٍ مُفاتٍ
- وَذي رَمَقٍ وَذي عَقلٍ مُطاشِ
وَمُنعَفِرٍ لِنَصلِ السَيفِ فيهِ
- تَواري الضَبِّ خافَ مِنِ اِحتِراشِ
يُدَمّي بَعضُ أَيدي الخَيلِ بَعضاً
- وَما بِعُجايَةٍ أَثَرُ اِرتِهاشِ
وَرائِعُها وَحيدٌ لَم يَرُعهُ
- تَباعُدُ جَيشِهِ وَالمُستَجاشِ
كَأَنَّ تَلَوِّيَ النُشّابِ فيهِ
- تَلَوّي الخوصِ في سَعَفِ العِشاشِ
وَنَهبُ نُفوسِ أَهلِ النَهبِ أَولى
- بِأَهلِ المَحدِ مِن نَهبِ القُماشِ
تُشارِكُ في النَدامِ إِذا نَزَلنا
- بِطانٌ لا تُشارِكُ في الجِحاشِ
وَمِن قَبلِ النِطاحِ وَقَبلَ ياني
- تَبينُ لَكَ النِعاجُ مِنَ الكِباشِ
فَيا بَحرَ البُحورِ وَلا أُوَرّي
- وَيا مَلِكَ المُلوكِ وَلا أَحاشي
كَأَنَّكَ ناظِرٌ في كُلِّ قَلبٍ
- فَما يَخفى عَلَيكَ مَحَلُّ غاشِ
أَأَصبِرُ عَنكَ لَم تَبخَل بِشَيءٍ
- وَلَم تَقبَل عَلَيَّ كَلامَ واشِ
وَكَيفَ وَأَنتَ في الرُؤَساءِ عِندي
- عَتيقُ الطَيرِ ما بَينَ الخِشاشِ
فَما خاشيكَ لِلتَكذيبِ راجٍ
- وَلا راجيكَ لِلتَخيّبِ خاشي
تُطاعِنُ كُلُّ خَيلٍ كُنتَ فيها
- وَلَو كانوا النَبيطَ عَلى الجِحاشِ
أَرى الناسَ الظَلامَ وَأَنتَ نورٌ
- وَإِنّي مِنهُمُ لَإِلَيكَ عاشِ
بُليتُ بِهِم بَلاءَ الوَردِ يَلقى
- أُنوفاً هُنَّ أَولى بِالخِشاشِ
عَلَيكَ إِذا هُزِلتَ مَعَ اللَيالي
- وَحَولَكَ حينَ تَسمَنُ في هِراشِ
أَتى خَبَرُ الأَميرِ فَقيلَ كَرّوا
- فَقُلتُ نَعَم وَلَو لَحِقوا بِشاشِ
يَقودُهُمُ إِلى الهَيجا لَجوجٌ
- يُسِنُّ قِتالُهُ وَالكَرُّ ناشي
وَأَسرِجَتِ الكُمَيتُ فَناقَلَت بي
- عَلى إِعقاقِها وَعَلى غِشاشي
مِنَ المُتَمَرِّداتِ تُذَبُّ عَنها
- بِرُمحي كُلُّ طائِرَةِ الرَشاشِ
وَلَو عُقِرَت لَبَلَّغَني إِلَيهِ
- حَديثٌ عَنهُ يَحمِلُ كُلَّ ماشِ
إِذا ذُكِرَت مَواقِفُهُ لِحافٍ
- وَشيكَ فَما يُنَكِّسُ لِاِنتِقاشِ
تُزيلُ مَخافَةَ المَصبورِ عَنهُ
- وَتُلهي ذا الفِياشِ عَنِ الفِياشِ
وَما وُجِدَ اِشتِياقٌ كَاِشتِياقي
- وَلا عُرِفَ اِنكِماشٌ كَاِنكِماشي
فَسِرتُ إِلَيكَ في طَلَبِ المَعالي
- وَسارَ سِوايَ في طَلَبِ المَعاشِ
عندي حديث عن دمشق
يقول معروف الرصافي :
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا
- فلقد رأيت اليوم طيف خيالها
شاهدتها والغُلّ ناهز قُرطها
- والقيد مشدود على خَلخالها
إذ ترسل النظرات في أطرافها
- حيث ابن هند قائم بحيالها
و أبو عبيدة واقف بيمينها
- و ابن الوليد تجاهه بشمالها
وسيوفهم بأكُفّهم مسلولة
- والنار تلهب من شِفار نصالها
في ساحة بثّ الأعادي حولها
- زُمَراً تموج بخيلها ورجالها
شاهدتها والحزن فوق جبينها
- يحكي سواداً فوقه من خالها
ترنو وقد عقد المُصاب لسانها
- فشكت مصيبتها بمنطق حالها
جَور العدى أزرى بغضّ جمالها
- فذوى وما أزرى بعزّ جلالها
ولقد سمعت أبا يزيد هاتفاً
- بمقالة دُهش العدى بمآلها
صُبُّوا لَظاكم في طَريّ جمالها
- إني افتديت جلالها بجمالها
هي حرّة تأبى المَذَلّة نفسُها
- والدهر أجمعُ عَيّ عن إذلالها
ثم انتحى بالسيف أرضاً حولها
- جَلَداً فخطّ بها خطوط مثالها
وغدا به ضرباً على أغلالها
- وعلى قيود الرجل من تمثالها
فَعَلت بقامتها وفك أسارها
- وانبتّ منقطعاً وثيق عقالها
فمشَوا ثلاْثتهم بها وسيوفهم
- شُبِّكْنَ كالاكليل فوق قَذالها
فكأنما هي قَيْلة قد أبررت
- تحت اللوامع من ظُبى أقيالها
هذي هي الرؤيا وهل تعبيرها
- إلاّ دمشق تفوز باستقلالها
فليعلم اللؤماء من أعدائنا
- أن البلاد عزيزة برجالها
فرجالها أسمى الورى وطنية
- وأشدهم صبراً بيوم نضالها
فإذا دعتهم للوغى أوطانهم
- كانوا الكُماة الشُوس من أبطالها
أرجال كتلتها هنيئاً للعلا
- في الدهر أنكم بُغاة وصالها
أولى البرية بالسيادة أمة
- تسمو بوحدتها على أمثالها
ومَن افتدت أوطانها بدمائها
- وبآخر الرَبَوات من أموالها
وإذا التفرُّق دبّ بين صفوفها
- باتت مَهدَّدة العلا بزوالها
يا قوم فَلْنَكُ أمةً كجدودنا
- أفعالها تُربي على أقوالها