شرح قصيدة (كذا فليجل الخطب)
شرح أبيات قصيدة (كذا فليجل الخطب)
قال الشاعر أبو تمام :
كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ
فَلَيسَ لِعَينٍ لَم يَفِض ماؤُها عُذرُ
تُوُفِّيَتِ الآمالُ بَعدَ مُحَمَّدٍ
وَأَصبَحَ في شُغلٍ عَنِ السَفَرِ السَفرُ
وَما كانَ إِلّا مالَ مَن قَلَّ مالُهُ
وَذُخراً لِمَن أَمسى وَلَيسَ لَهُ ذُخرُ
قال أبو تمام قصيدته تلك في رثاء محمد بن حميد الطوسي وهو ابن قبيلة طيء، حيث قتل في واحدة من معارك المعتصم بالله مع الروم، وهو يبدأ برثائه أن موته كان حدثًا جليلًا ولا بدّ للبواكي من بذل الدموع عليه، وكأنّ لا أمل للحياة من بعده وهو الذي كان يحمل الكلّ ويعين الضعيف.
وَما كانَ يَدري مُجتَدي جودِ كَفِّهِ
إِذا ما اِستَهَلَّت أَنَّهُ خُلِقَ العُسرُ
أَلا في سَبيلِ اللَهِ مَن عُطِّلَت لَهُ
فِجاجُ سَبيلِ اللَهِ وَاِنثَغَرَ الثَغرُ
فَتىً كُلَّما فاضَت عُيونُ قَبيلَةٍ
دَماً ضَحِكَت عَنهُ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
ولم يكن ذلك الرجل فارسًا فقط من الفرسان المعروفين، بل كان كريمًا طيبًا حتى إنّ روحه قد بذلها في سبيل الله تبارك وتعالى، وهو الرجل صاحب الهمة القوية الذي يدافع عن أهله وقبيلته.
فَتىً ماتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً
تَقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ
وَما ماتَ حَتّى ماتَ مَضرِبُ سَيفِهِ
مِنَ الضَربِ وَاِعتَلَّت عَلَيهِ القَنا السُمرُ
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلًا فَرَدَّهُ
إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
لقد بذل محمد روحه في الحرب بين المعارك والطعان، ولم يمت حتى كُسر سيفه وكأنّ تلك الميتة تقوم مقام النصر بل أهم من ذلك، وقد كان يقدر على الهروب لكنّه ليس ممن يدير ظهره للعدو.
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ
هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ
وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
غَدا غَدوَةً وَالحَمدُ نَسجُ رِدائِهِ
فَلَم يَنصَرِف إِلّا وَأَكفانُهُ الأَجرُ
لم يمض محمد نحو الهروب بل كان يهرب منه كأنّه العار بل كأنّه الكفر وأكثر من ذلك، وقد ثبت رجله في المعركة وكان يلهج لسانه بالحمد ولم يخرج من تلك الأرض إلا في أكفانه.
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمرًا فَما أَتى
لَها اللَيلُ إِلّا وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ
كَأَنَّ بَني نَبهانَ يَومَ وَفاتِهِ
نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِن بَينِها البَدرُ
يُعَزَّونَ عَن ثاوٍ تُعَزّى بِهِ العُلى
وَيَبكي عَلَيهِ الجودُ وَالبَأسُ وَالشِعرُ
لمّا واجه الموت كانت ثيابه مخضبة بلون دمائه الأحمر لكن الله سيعوضه بإذن بثياب من الجنة، وكأنّه في موته قد فقد بنو نبهان قمرهم وبقوا نجومًا دون قمرهم، والآن باتوا محاولين تصبير أنفسهم على فقده.
وَأَنّى لَهُم صَبرٌ عَلَيهِ وَقَد مَضى
إِلى المَوتِ حَتّى اِستُشهِدا هُوَ وَالصَبرُ
فَتىً كانَ عَذبَ الروحِ لا مِن غَضاضَةٍ
وَلَكِنَّ كِبرًا أَن يُقالَ بِهِ كِبرُ
فَتىً سَلَبَتهُ الخَيلُ وَهوَ حِمىً لَها
وَبَزَّتهُ نارُ الحَربِ وَهوَ لَها جَمرُ
وَقَد كانَتِ البيضُ المَآثيرُ في الوَغى
بَواتِرَ فَهيَ الآنَ مِن بَعدِهِ بُترُ
يأتي الآن أبو تمام على ذكر مآثر ذلك الرجل العظيم الذي كان لشدة قوته ومنعته كأنّه هو الذي يحمي الخيل وليس العكس، وكأنّ الحرب لتوقد من ناره ولظاه، وهو الرجل الذي لا يشق له الغبار.
أَمِن بَعدِ طَيِّ الحادِثاتِ مُحَمَّدًا
يَكونُ لِأَثوابِ النَدى أَبَدًا نَشرُ
لَئِن غَدَرَت في الرَوعِ أَيّامُهُ بِهِ
لَما زالَتِ الأَيّامُ شيمَتُها الغَدرُ
لَئِن أُلبِسَت فيهِ المُصيبَةَ طَيِّئٌ
لَما عُرِّيَت مِنها تَميمٌ وَلا بَكرُ
كَذَلِكَ ما نَنفَكُّ نَفقِدُ هالِكًا
يُشارِكُنا في فَقدِهِ البَدوُ وَالحَضرُ
إنّ فقد محمد ليس هو فقط قبيلة طيء فقط بل إنّ العرب كلهم فقدوه والحضر منهم و البدو ، وهو الرجل الذي غدرت به الأيام فصار الآن تحت التراب بعد أن كان يصول ويجول فوقها.
معاني المفردات في قصيدة كذا فليجل الخطب
وردت في القصيدة مجموعة من المفردات التي لا بدّ من شرحها والوقوف معها وهي كالآتي:
المفردة | المعنى |
مُجتَدي | أي الرجل الذي يطلب الجدوى. |
أَخمُصِكِ | أي باطن القدم الذي يكون مرتفعًا عن الأرض. |
ثاوٍ | أي الرجل المقيم المستقر بالمكان. |
بَزَّتهُ | أي غلبته. |
الأفكار الرئيسة في قصيدة كذا فليجل الخطب
وردت في القصيدة مجموعة من الأفكار الرئيسة وهي كالآتي:
- رثاء الرجل الهمّام والتفجع على موته.
- ذكر مآثره الحسنة وأخلاقه الطيبة.
- الحديث عن شدته وبأسه في المعارك.
- الحديث عن الفاجعة التي حلت على العرب كافة بموته.