شرح سورة المطففين من 1 إلى 17
شرح سورة المطففين من 1 إلى 17
كان أهل الجاهلية يختلفون في الكيل والوزن؛ لعدم وجود دولة مركزية تُوحد المقاييس للأوزان والمكاييل، فبين مكة والمدينة -مثلاً- اختلاف في تقدير العيارات، ووصل الاختلاف بينهم أنهم كانوا يختلفون في تحديد السلعة التي تُوزَن والسلعة التي تُكال.
ومثلاً: كان أهل المدينة يكيلون التمر وهو يُوزَن في كثير من أهل الأمصار، بينما السمن عندهم يوزَن وهو يُكال في كثير من الأمصار، حتى وحدها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (الوزنُ وزنُ أَهْلِ مَكَّةَ، والمِكْيالُ مِكْيالُ أَهْلِ المدينةِ)، فانضَبَطت.
تفسير الآيات من 1 إلى 6
سنذكر تفسير الآيات من 1- 6 من سورة المطففين فيما يأتي:
- (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)
التطفيف: هو النقصان، يُقال: "هذا المكيال طفّان" إذا كان غير مملوء، ومنه جاء التعبير للشيء الطفيف: اليسير، والتاجر المطفف: هو الذي ينقص من السلعة التي تُكال شيئاً فشيئاً في كل مرة يكيل فيها.
وتوعدت الآية ب الويل : أي الشدة من العذاب للذين ينقصون المكيال والميزان، رغم أنَّ الذي يخون في المكيال والميزان لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء الخفيف الطفيف كي لا يُفتضح.
- (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)
تُشير الآية الكريمة إلى أنَّهم إذاً اشتروا لأنفسهم وسُمِحَ لهم باستخدام المكيال والوزن فتجدهم قد استوفوه تاماً، ولكن إذا كالوا أو وزنوا للناس يُنقصون لهم ولا يُعطوهم حقهم.
ومن هدايات الآية ما ذكره الغزالي : "وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به، ولا شك أنه ينتظر منه ستر العيوب بينما لو ظهر له منه اشتد عليه غيظه، وكل من يلتمس من الإنصاف أكثر مما تسمح به نفسه"، فهو داخل تحت مقتضى هذه الآية.
- (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
في الآية استفهام استنكاري وتعجُّبي من حالهم في الاجتراء على التطفيف، كأنَّه لا يخطر ببالهم، ولا يخمِّنون تخميناً باحتمال (أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ) ومحاسبون على مقدار تطفيفهم الذرّة والخردلة؟ يوم يقومون من قبورهم؛ لأمر ربّ العالمين، وفي وصف اليوم بالعظيم -مع قيام الناس لله خاضعين فيه- دلالة على عِظم ذنب التطفيف.
تفسير الآيات من 7 إلى 13
سنذكر تفسير الآيات من 7- 13 من سورة المطففين فيما يأتي:
- (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ* كِتَابٌ مَرْقُومٌ)
كلا، ليس الأمر على ما هم يظنونه من عدم البعث للحساب؛ فليرتدعوا فقد تم رصدُ كل خطايا الفجار ووضِعت في مكان واحد يُدعى (سِجِّينٍ)، ثم أخبرنا بمعناه، فهو: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) أي مسطور، وعلى هذا يُفهَم بأنَّ (سِجِّينٍ) كتابٌ جامعٌ لأعمال الشر الصادرة من الشياطين والكفرة والفسقة، ولفظ (سِجِّينٍ) صار عَلماً عليه.
- (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ)
أي: لقد تحقق الوعيد عليهم بالعذاب إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من العذاب المهين، والويل: الهلاك والدمار، كما يقال: "ويل لفلان".
- (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
لا يُكذب بالبعث بعد الموت إلا كل (مُعْتَدٍ) متمنٍّ لعدم تحقق البعث لعدوانه فيخشى الاقتصاص منه، والمتجاوز للحد في العناد، (أَثِيمٍ) أي مبالغ في الانهماك في الشهوات المستوجبة للآثام -وهي الذنوب-، وإذا أعلمناه بالعلامات الدالة على البعث والحساب قال بل هي من الأباطيل وليست كلام الله.
تفسير الآيات من 14 إلى 17
سنذكر تفسير الآيات من 14- 17 من سورة المطففين فيما يأتي:
- (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
كلا، ليس القرآنُ و البعثُ والجزاء من الأساطيرِ الأولين والخرافات المكذوبة، "عَمِيَتْ قلوبُهم، وغطّت عليها أفعالُهم وتماديهم في الباطل، فطُمسَ على بصائرهم، والتبست عليهم الأمورُ ولم يدركوا الفرقَ بين الصحيح والباطل"، وران على قلبه: غطى عليه.
- (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)
ردعاً لهم وزجراً عن أقوالهم الباطلة وأعمالهم الفاسدة إنهم عن ربهم لمحجوبون؛ فلا يرونه ولا يرون كرامته، واحتج الإمام مالك بهذه الآية على رؤية المؤمنين لله من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حُجِب كلُّ الناس عن رؤيته لمَا أفاد هذا التخصيص للكفار بالحجب عنه، وبهذا قال الإمام الشافعي : لمَّا سيحجب الله -سبحانه وتعالى- قوماً بالسخط، دلَّ على أنَّ قوماً سيرونه بالرضا.
- (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)
ثم إنهم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن هم من أهل النيران فهم داخلوا النار، وملازموها غير خارجين منها، ومقاسو حرها، وصلي الجحيم أشد من الإهانة وحرمان الكرامة، تقول لهم خزنة جهنم وزبانيتها تبكيتاً لهم وتوبيخاً: هذا هو العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا فانظروه وذوقوه.