شرح خطبة قس بن ساعدة
خطبة قس بن ساعدة
خطب قس بن ساعدة الإيادي بسوق عكاظ ؛ فقال:
- "أيها الناس: اسمعوا وعوا: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراه، إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟، ثم يقسم قس بالله قسمًا لا إثم فيه فيقول: إن لله دينًا هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرًا".
- وزاد بعضهم في الروايات أنه قال: "يَا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟ وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟ أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟ طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه".)
- ويروى أن قساً أنشأ بعد ذلك يقول:
"في الذاهبين الأوليـن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر".
شرح خطبة قس بن ساعدة
بدأ قس بن سعادة خطبته في لفت أنظار الناس إليه فبدأ بأسلوب إنشائي، يناديهم ويقول لهم استمعوا وأنصتوا وتفهموا قولي واحفظوه، إنّ كل من جاء إلى هذه الدنيا وعاش أيامه فيها لا بد أن يأتيه الموت ليودع هذه الحياة، ومن ترك الدنيا ومضى منها فلن يَعود إليها فقد انتهى أمره، وكل من يعيش على هذه الدنيا سيأتيه الموت لا محالة.
بعد تقرير الحقيقة الأولى التي بدأ بها قس بن ساعدة، أخذ يذكر آيات الله في الكون في دعوة ضمنية يدعو بها السامعين للتفكر في هذه المخلوقات ليقرر الحقيقة الثانية التي أراد الخلوص إليه والتنبيه عليها، فيقول: انظروا إلى هذا الليل الساجي بظلمته الحالكة، والنهار الذي يمحوه بنوره، وسماء عُقدت فيها الكواكب والأبراج، ونجوم زاهيةٌ بأنوارها تدل الحيارى، وبحار زاخرة بألوان الحياة المتعددة، وأرض قد سوّاها الله للسائرين وشقها وجعل الأنهار فجاجاً تسير فيها، وجبال نصبت في أنحاء الأرض عظيمٌ طولها كبيرٌ حجمها، كل هذه الآيات فيها رسائل للبشر، وعبرة لمن اعتبر، أنّ لهذا الصنع البديع خالقاً مكوناً له يستحق العبادة.
ثم يعود بسؤال استنكاري يذكر به الناس أنّ الذي يموت لا يعود للحياة لاستدراك ما فاته، فيقول: لماذا لا يعود الموتى للحياة؟ هل أنسوا بالمقام في القبور، أم أنّ الناس قد نسوهم فظلوا نائمين إلى وقت يحين فيه القيام.
بعد أنّ ذكّر قس بالحقيقة التي أراد أن يعتبر بها الناس، وجاد لهم بذكر الآيات العظام في كون الله، أراد أن يوضح لهم الحقيقة التي كان يجري الحديث لأجلها، فجاء بالقسم بالله قسماً لا يخطئ فيه، أن لهذا الكون خالقاً وهو الله، وأنّ لهذا الخالق ديناً قد ارتضاه هو خيرٌ من دينكم الذي أنت عليه( وهو عبادة الأصنام)، وعبادتكم لغير الله منكر عظيم يجب العدول عنه.
وبعد الكلام البليغ الذي قاله قس بن ساعدة جاء ببعض أبيات الشعر التي تِكد على حقيقة الموت وأن الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم سيصير إلى الموت لا محالة، وفي موت الأولين من الأمم عبر وآيات لمن اعتبر وتذكر.
ثم يعود بتخصيص الخطاب لقومه فيقول : يا قوم أين ذهب الآباء والأجداد، أين ذهب الفراعنة ملوك مصر الذين عرفوا بجبروتهم وقوتهم، ثم يستفهم ويقول: ألم يكون أكثر الناس مالاً ماذا فعل المال لهم، ألم يكون في سعة وطول من العمر ألم ينتهي عمرهم، أين هم اليوم أخذهم الموت بأموالهم وأعمارهم، ودمر حياتهم وجبروتهم، وفي هذا الحديث نصحٌ مضمن يدعوهم فيه للاعتبار بالأمم السالفة.
معلومات عن قس بن ساعدة
هو قس بن ساعدة بن عدي من قبيلة إياد، عُرف بزهده في متاع الدنيا وعزوفه عنها، وتجلى العزوف عن الدنيا بعد أن مات له أخوان ودفنهما بيده، ضُرب فيه المثل في قوة الخطابة وفصاحة اللسان وحسن الكلام، ويقال: بأنه أول من كتب من فلان إلى فلان، وأول من أقر بالبعث من غير علم، وأول من قال: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، كما اشتُهِر بوعظه وحكمته فكان يسير في الناس وينذرهم ويحذرهم ويقال أنه كان من المعمرين، لقيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، ولم يدرك الإسلام، وقد وردت بعض الأحاديث عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال: أنّه يحشر أمّة.