شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم
شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، و هو حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحهما، ولشرح معنى الحديث مثل المؤمنين في تَوَادِّهِمْ وتراحمهم لا بدّ من تفصيل ما يأتي:
الصورة التي شبه بها النبي المجتمع المسلم
شبّه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- المجتمع الإسلامي بجسد الإنسان؛ ووجه الشبه بينهما هو: التداعي في التعب وفي الراحة، فمعلومٌ أنّ الإنسان إذا شعر بوجود ألم في أحدِ أعضاء جسده، فإن كلّ جسده يتألم لألمه، فلا يقوى على النوم أو الراحة لتعب عضو معيّنٍ فيه، وكذلك المؤمنون؛ فهم أخوةٌ متحابون متماسكون، إذا أصيب أحدٌ منهم بمكروه أو حدث له أمر ما، انشغل الجميع لأجله، واهتموا لأمره، وهذه الصورة دلالة على أنّه حريٌّ بالمؤمنين أن يتصفوا بهذه الصفات، وأن يعظّموا حقوق بعضهم البعض، ويكونوا متعاضدين ومتلاحمين.
وهذا الحديث من الأحاديث التي كانت سببًا في تغيير المجتمع العربي القَبلي؛ فقد كانت بيئته مفكّكة ومتناحرة، فجاء هذا الحديث لغرس القيم التي تُلغي هذا التناحر، وتعمل على ترابط المجتمع، وأفضل القيم التي تُساعد على ذلك هي الرحمة والتعاطف والتواد، وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى هذه القيم في الكثير من النصوص، وأكدت على أهمية وجود الرحمة بين المسلمين.
وقد تجاوب المسلمون مع هذا الأمر؛ فظهر بينهم الألفة والمحبة والعطف، وأعانوا بعضهم البعض، وأنزل الله -تعالى- فيهم قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، حتى أنّهم وصلوا إلى درجة إيثار غيرهم على أنفسهم، حتى امتدحهم الله -تعالى- في كتابه حيث قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فحريٌّ بالمسلمين أن يستجيبوا لدعوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث، وحريٌّ على الآباء والأمّهات تعليم حديث "مَثَل المؤمنين.." للأطفال؛ لبناء جيلٍ يطبّق أمر الله ورسوله.
أهمية التواد والتراحم بين المسلمين
تكمن أهمية التواد والتراحم بين المسلمين فيما يأتي:
- إنّ التواد والتراحم سببٌ في تكاتف المجتمع وقوته ورصانته؛ فالعطف والرحمة وإحساس المؤمنين ببعضهم البعض يولّد حصانة ومنعة في المجتمع الإسلامي.
- إنّ التواد والتراحم يُلبي حاجة الإنسان إلى غيره؛ فالإنسان بطبعه اجتماعي ويحتاج الآخرين، كما أنّ غيره محتاجٌ إليه، وهذا يتحقق عن طريق إقامة رابطة إيمانية أخوية بين المسلمين.
- إنّ التواد التراحم سببٌ في توثيق العلاقات الاجتماعية بين المسلمين.
- إنّ التواد والتراحم من الحقوق الأخلاقية التي تؤكد على ضرورة وجود روابط الألفة والمحبة والعطف بين المسلمين.
ما يستفاد من الحديث
يستفاد من حديث مثل المؤمنين في توادّهم ما يأتي:
- يجب على المسلمين تعظيم حقوق بعضهم البعض.
- التلاطف والتراحم فيما بينهم من غير مكروه أو إثم.
- التعاون فيما بينهم على قضاء أمورهم الدنيوية المباحة وأمور الآخرة.
خلاصة المقال: يرشد الحديث الشريف إلى أهمية وجود رابطة أخوية بين المسلمين، أساسها المودة والرحمة والقرب، ولهذا شبه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- المجتمع الإسلامي بتعاونه وتكافله كالجسد يتداعى بالسهر وعدم الراحة عند وجود ألم في أعضائه، والتواد والتراحم الذي دعا إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- له الكثير من الآثار الإيجابية التي تعود بالنفع على المجتمع الإسلامي والمسلمين.