شرح حديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)
شرح حديث (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)
يقول صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ)،ويُشير الحديث إلى نعمتين عظيمتين قد يفرّطُ بهما بعض الناس، وفي الآتي شرح الحديث وبيان فضل هذه النعم، حيث ورد في الحديث النبوي الشريف مجموعة من الكلمات، وبيان معانيها فيما يأتي:
النعمة
ترجع النعمة إلى الأصل اللغوي (نعم)، وهي تدل على صلاح أحوال المرء، وتدل على الرفاهية والطيب في العيش،وعلى ما أكرم الله تعالى به العبد من مال، وعلى ما ينتفع به من مأكل ومشرب وملبس،كما تدل كلمة نعمة على العطاء وصناعة المعروف،وتدل على صلاح حال المرءوبهذا المعنى جاءت في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾.
مغبون
يرجع الأصل اللغوي لكلمة الغبن إلى الجذر ( غ ب ن)، ويدل على الضعف وضياع الحق،والتاجر المغبون هو الذي خسر ماله وتجارته، ويكون الغبن مجرد النقص في الرأي أو في البيع،ويأتي الغبن بمعنى فقدان الشيء بدون عوض،أو شراء الشيء بأضعاف ثمنه،وقد ورد الغبن في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾،حين يظهر للعاصي أنه اشترى الدنيا بأضعاف ثمنها.
الصحة
يرجع الجذر اللغوي إلى (صح) الذي يشير إلى السلامة من الأمراض والعيوب، وأيضاً إلى ذهاب المرض والسقم،ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ)،وقد جاء الحديث في النهي عن اختلاط الإبل المريضة بالإبل الصحيحة.
الفراغ
يرجع إلى الجذر اللغوي ( فرغ) وهو بمعنى الخلو والسعة،وهو بمعنى ضد الانشغال،وبناء على الحديث يكون معنى الفراغ أن المرء غير مشغول ولديه سعة من الوقت.
ويشير الحديث إلى أن صاحب نعمتي الصحة والفراغ مغبون؛ لأنّه يُضيّع عمره بدون أن يستفيد منها شيئاً، وللحديث عدة أوجه حسب ما يأتي:
- الوجه الأول: أن الناس ينشغلون حتى لا يجتمع عندهم الصحة والفراغ، وقد يجد أحدهما ولا يجد الآخر.
- الوجه الثاني: أن من الناس من يملك نعمتي الصحة والفراغ ثم لا ينتفع بهما بما ينجيه في الآخرة.
- الوجه الثالث: أن من يملك الصحة والفراغ يقصر في الانتفاع بهما و شكر الله تعالى عليهما.
ومن المعنى اللغوي يظهر معنى الحديث بأن من لم يستفد من صحته وفراغه، فهذا سوف يشعر يوم القيامة وعند الحساب بأن عمره وهو أغلى ما يملك قد ضاع منه بدون أن يحقق شيئاً لآخرته، فقد أنفق أغلى ما يملك على الدنيا الزائلة، حيث بين الله تعالى حالهم يوم القيامة فقال عز وجل: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ﴾.
حفظ الوقت في الإسلام
حرص الإسلام على وقت المسلم، وأقسم الله تعالى بالوقت في أكثر من آية في القرآن الكريم وذلك يدل على أهمية الوقت في الإسلام ، ومنها قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾،كما وصّى النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتناء بالوقت فقال عليه الصلاة والسلام: (اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك).
وبيّن -عليه الصلاة والسلام- أن إضاعة الوقت مما يحاسب عليه المرء يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ).
حفظ الصحة في الإسلام
اعتنى الإسلام بصحة الفرد، وأباح لأجله الطيبات وحرم الخبائث، قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبحث عن الدواء، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا عبادِ اللهِ تداوُوا، فإن اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضعَ له شِفاء).
وبيّن صلى الله عليه وسلم بأن الجسد السليم الصحيح هو أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنهُ يومَ القيامةِ يعني العبدَ منَ النَّعيمِ أن يقالَ لَهُ : ألم نُصحَّ لَكَ جِسمَكَ ، ونُرْويَكَ منَ الماءِ الباردِ).
شكر النعم في الإسلام
على العبد أن يشكر نعم الله تعالى عليه، ويكون هذا الشكر بما يأتي:
- تذكر أن الصحة والوقت من نعمة من الله تعالى، لقوله عز وجل: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ﴾.
- شكر نعمة الصحة في استعمالها في ما أمر الله تعالى في الطاعات والقربات، وعدم إضاعتها في المعاصي والآثام.
- شكر نعمة الوقت يكون بأن يجعله العبد في طاعة الله تعالى من صلاة وذكر وتلاوة.
- شكر من كان في حصول النعمة للإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَن لا يشكرُ النَّاسَ لا يشكرُ اللهَ).