شرح حديث (من وجد سعة ولم يضحِ ...)
شرح حديث (من وجد سعة ولم يضحِ...)
شرع الله تعالى الأضحية في يوم النحر ، واختلف أهل العلم في حكمها؛ نظرًا لاختلافهم في توجيه الأدلة التي تنص عليها ومن الأدلة التي استدل بها الفقهاء على حكم الأضحية الحديث الآتي:
متن الحديث
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: (مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا).
شرح الحديث
يحثّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على الأضحية، ويخبر في الحديث السابق أنّه من كان غنيًا ولديه مال، ولم يُبين مقدار غناه وسعته؛ فالمقصود من سعته هو ما يمكنه من شراء الأضحية، وقال الحنفية بأنّ المقصود هو من يملك نصابًا من المال ولم يضحِ.
من كان غنيًّا وحاله ميسور ولم يضحِ فقد أهل بسنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فنهاه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الاقتراب من المصلى في صلاة العيد؛ لكونه ليس أهلًا بأن يحضر مصلى المسلمين في يوم العيد بسبب بخله.
وتكون عقوبته بسبب بخله هي فوات حضور الصلاة ودعاء المسلمين، ولا يشهد كذلك إفاضة الله تعالى بحوائز إحسانه على المصلين، وكان هذا الحديث سببًا في اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية.
ولا يقصد بهذا الحديث عدم صحة صلاة العيد لمن كان غنيًا ولم يضحي، وإنما أراد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في هذا الحديث زجره وبيان عقوبته، وقد قال السندي في شرحه لسنن ابن ماجه: " ليس المراد أن صحة الصلاة تتوقف على الأضحية، بل هو عقوبة له بالطرد عن مجالس الخير".
هل الأضحية واجبة أم سنة؟
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على قولين؛ وما يأتي بيان ذلك:
القول الأول
ذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- إلى القول بأنّها واجبة، واستدل على قوله بقول الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، وبقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (يا أيُّها النَّاسُ على كلِّ أَهلِ بيتٍ في كلِّ عامٍ أضحيَّةٌ وعتيرةٌ هل تدرونَ ما العتيرةُ هيَ الَّتي تسمُّونَها الرَّجبيَّةَ)، وبقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانا). فالأمر فيها محمول على الوجوب.
كما أن الحديث الأخير يحمل وعيدًا؛ وهذا لا يكون إلا في حق من ترك واجبًا.
القول الثاني
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومن الحنفية وافقهم محمد بن الحسن وأبا يوسف، وقالوا بسنيّة الأضحية، واستدلوا على ذلك بقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا)، واستدلوا به بأنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- علق التضحية على الإرادة.
ولو كانت الأضحية واجبة وليست سنة لما علّقها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بإرادة المُضحي، كما قاسوا الأضحية على العقيقة ، واستدلوا أيضًا بما أخبر به رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بأن النحر واجب في حقه، وتطوع في حق غيره، وحملوا أدلة أبي حنيفة على استحباب الأضحية وليس وجوبها.
ونقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- تعالى قوله: "بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما، فيظن من رآهما أنها واجبة".
الفوائد المستفادة من حديث (من وجد سعة ولم يضحِ...)
دل الحديث السابق على مجموعة من الفوائد، وما يأتي بيان ذلك:
- إنّ الأضحية تكون أشد إلزامًا على المسلم المقتدر؛ فمتى كان المسلم ذو سعة مال كانت الأضحية تلزمه أكثر من غيره.
- إنّ الحديث يدل على أنّ صحة صلاة الغني الذي ترك الأضحية لا تتوقف على الأضحية، فصلاته صحيحة، إلا أنّ المقصود هو معاقبة بالطرد من مجلس المسلمين، وذلك ليفوته الأجر والثواب.
- إنّ الذي لا يملك سعة من المال، وليس لديه ما يكفي من المال للأضحية فإنها لا تجب عليه.
- يجب على المسلم أن لا يترك الأضحية وهو قادر عليها، فالأحوط له هو أداء هذه الشعيرة، وهذا ما يعينه على إبراء ذمته.
- إنّ في الأضحية اتّباع لهدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- واقتداء بسنّته، وقد حثّ عليها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لفضلها العظيم، وثوابها الجزيل الذي يعود على صاحبها بالخير.