شرح حديث (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن)
حديث (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ)
نص الحديث وصحّته
روى عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، في الحديث الذي خرّجه ابن ماجه وحكم بصحته الألباني، فقال: (مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ).
وقد روى الحديث بعدة روايات؛ والتي تفيد ذات المعنى، نذكرها منها ما يأتي:
- روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (مَنْ كان لهُ ثلاثُ بناتٍ أوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ، أوْ بنَتَانِ، أوْ أُخْتَانِ، فَأحسنَ صُحْبَتَهُنَّ واتَّقَى اللهَ فيهِنَّ؛ فَلهُ الجنةُ).
- روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الضعيف فقال: (مَن عال ثلاثَ بناتٍ، فأدَّبَهنَّ وزوَّجَهنَّ، وأحسَن إليهنَّ، فلَه الجنَّةُ).
شرح الحديث
ورد الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحثّ على الصبر، ومنه ما يتجلّى حين يكون في تربية الأبناء، وبخاصة البنات منهم؛ فإنّ ذلك يفتح للأب والأم باباً للأجر والثواب؛ مما يؤدي إلى دخول الجنّة ، فقال -تعالى-: (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى) .
وقد ورد لفظ الثلاث بنات في الحديث على سبيل العموم؛ فليس شرطاً أن يكنّ الثلاثة بناته، فإن اللفظ عام ويشمل أخواته أيضاً، وعمّاته، وخالاته، فإن الإحسان إليهنّ، والصبر على تربيتهنّ، وإعالتهنّ يشمل الأب والأم، ويجعل صاحبه من المستحقين للأجر العظيم ودخول الجنّة، والنجاة من النار، وهذا الحديث خاصّ بالمسلمين دون غيرهم؛ لأنّ المسلم بالإكثار من الطاعات، واجتناب المعاصي يدخل الجنة.
وقوله في الحديث فصبر عليهنّ؛ أي فصبر على تربيتهنّ، وتعليمهنّ وتأديبهنّ، وذلك بما يكون ضمن طاقته ومقدرته، وكذلك سقاهنّ وألبسهنّ وفق مقدرته، جعلهنّ الله له يوم القيامة ستراً من النار.
تربية البنات في الإسلام
كان حال الناس قبل الإسلام شنيعاً تجاه البنات، وقد اعتبر الناس ولادة البنات بلاءً يجب التخلص منه، فقاموا بدفنهنّ، وعدوا ذلك الأمر من باب تحقيق الكرامة لهم، كما كانوا يُعاملون المرأة التي أنجبت البنت معاملةً سيئة؛ لأنّها لم تنجب الولد.
قال -تعالى-: (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ* يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ) ، ولمّا جاء الإسلام حرّم قتل البنات ، فقال -تعالى-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) ، والمقصود بأنها مسؤولة أمام الله يوم القيامة؛ عمّن أساء لها وقتلها.
ولم يقتصر الأمر بالإسلام على منع وتحريم قتل البنات، وإنّما رتب الأجر العظيم على تربيتهنّ، والاعتناء بهنّ والإحسان إليهنّ، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً يُحتذى في تربيته لبناته، وفرحه بقدوم مولودة أنثى له؛ فقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لما بُشّر بولادة ابنته فاطمة الزهراء : "ريحانة أشمّها، ورزقها على الله"، وكان يرى في قدومها الخير والبركة.