شرح حديث (ثلاث مهلكات؛ شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه)
شرح حديث (ثلاث مهلكات؛ شُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعْجَابُ المَرْءِ بِنفسِهِ)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وثَلاثٌ مُنْجِياتٌ، وثَلاثٌ كَفَّارَاتٌ، وثَلاثٌ دَرَجَاتٌ، فَأَمَّا المُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعْجَابُ المَرْءِ بِنفسِهِ).
المؤمن الفطن هو الذي يعرف سبيل الهداية ليسلكها، ويتعرف على سبل الهلاك لاتقائها والحذر والتحذير منها؛ طلباً للنجاة والفلاح، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدلنا على سبيل الله المستقيم، ويبيّن لنا مسالك الهلاك تحذيراً لنا وأداءً منه لأمانة تبليغ الرسالة بعبارات من جوامع الكلم، ومنها هذا الحديث العظيم الذي بيّن لنا في جزءٍ منه ثلاث صفات تذهب بصاحبها إلى الهلاك.
شح مطاع
ليس الغريب أن يجد الإنسان في نفسه الحرص على المال وحبَّ تكثيره، فغرس ذلك في أنفسنا ظاهراً في قوله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، فالمال وسيلة إلى كثير من شؤون الحياة، ولكن المذموم أن يتحول تكثير المال إلى غاية.
وعند ذلك سيتحايل صاحب هذه الحال في سبل تحصيله واتقاء إنفاقه حتى يصير شحيحاً بخيلاً بالمال حتى على أهله ونفسه، فيطيع بذلك هذا الشحَّ فيَحرمَ نفسه من الانتفاع بالمال، ويحرم من لزمه الإنفاق عليهم من الانتفاع به أيضاً؛ فيكون بذلك ذاهباً في طريق الهلاك الدنيوي والتعرض للهلاك الأخروي.
هوى متبع
قال -تعالى-: (وَلا تَتّبِعِ الْهَوَى فَيضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)، إذا كان الإنسان سائراً مع هواه أينما ذهب، فكلما عرضت له شهوة ممكنة فعلها، وكلما لاح له داعٍ من دواعي الرغبات استجاب له، فإنه يصير بذلك أبعد ما يكون عن إنسانيته وأقرب إلى الحيوانية الغريزية التي لا تنضبط بالعقل الواعي وحدود التكليف الرباني الحكيم، وهل هناك أقبح من أن يتخلى الإنسان عن العقل الذي به ارتقى على غيره من المخلوقات؛ فيرديها بذلك في دركات الهلاك.
وصاحب الهوى لا يسير مع أوامر الله -سبحانه وتعالى- ولا يستجيب لتكاليف دينه؛ لأن ذلك قيد لهواه ومنعٌ لنفسه؛ مما يفسدها ويضرُّها، ولو كان مرغوباً لها، فالله يريد بنا الخير والفلاح، والهوى يذهب بصاحبه إلى الراحة والمتعة دون اكتراث للمصير الموصل إليه ولو كان هلاكاً.
إعجاب المرء بنفسه
إذا بلغ بأحدنا الحال أن يرى نفسه محلَّ إعجاب وكأنه بلغ الكمال الإنساني، فإنه بذلك يحجبها عن النقد والعمل على إصلاحها، فيركن إلى ما هو عليه ويرضى به، فلا تراه بعد ذلك يقبل نصيحة من سواه، ولا يعترف بذنب يقع فيه، ولا يُراجع قناعةً سبقت إلى قلبه قد تكون وهماً أو خطأً في حقيقتها قد انطلت عليه.
ومن هذه حاله، فقد أغلق على نفسه أبواب التغيير إلى الأصلح، ومنعها من الاستجابة أو حتى النظر في نصيحة الأخيار ، ومنع بذلك نفسه من تأمل نفسه ومَن حوله وما حوله؛ وهذا من أهلك المسالك والأحوال.