شرح حديث (إن في الجنة بابًا يقال له الريان ...)
شرح حديث (إنّ في الجنة بابًا يقال له الريان...)
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) ؛ ف الصيام له فضلٌ عظيمٌ ، وتكريمٌ للصائمين من الله؛ لأنّهم قطعوا عن أنفسهم ملذات الدنيا، وطعامها وشرابها؛ فأعطاهم الله -عزّ وجلّ- من أوسع أبوابه.
وقيل في الريان إنّه بابٌ في الجنّة، ولم يقل بابٌ للجنّة؛ وذلك تشويقًا لهم، وليُذكر أنّ ما في هذا الباب من النعيم والراحة، كما في الجنّة، فإذا دخلوا منه أغلق هذا الباب، وتخصيص دخولهم من هذا الباب؛ تكريمًا لهم، فقد تميّزوا في عبادتهم واستحقوا هذا الشرف، حتى يسرعوا إلى الري من عطشهم، واكتفى بالري عن السبع؛ لأنّه يكون أشدّ على الصائم من الجوع.
والجزاء من جنس العمل، فقد كافأهم الله -عزّ وجلّ- ببابٍ خاصٍّ؛ لتحمّلهم الجوع والعطش في الدنيا، فالمسلم يصبر على الجوع، ولكنّه لا يطيق تحمل العطش، فيمكن أن يكون في الامتناع عن الطعام شفاءٌ من الأمراض وعلاجٌ لها، ومن صام بالنهار ظهر نوره في الليل، وإمّا أن يكلّف الله -عزّ وجلّ- الملائكة بالنداء على الصائمين، أو يناديهم الله جلّ جلاله.
باب الريان إكرامٌ للصائمين؛ ليدخلوا الجنّة بغير زحامٍ، وقد اختصّوا بذلك دون غيرهم؛ لأنّ في زحامهم نوع من العطش، وإن لم توجد مزاحمة عند أبواب الجنة لسعتها، ولكنّ هذا تشريفٌ لهم، وإعلاءٌ لمقامهم على غيرهم من الأمم، وللفوز بهذا الباب لا بدّ من صيانة الصيام ممّا ينقص ثوابه.
ما هو باب الريان؟
هو الباب الذي يدخل منه الصائمون إلى الجنّة، والجنّة لها ثمانية أبوابٍ، وباب الريان أحد هذه الأبواب الثمانية، وسمّي باب الريان ولم يسمَّ باب الصيام؛ لأنّ الصيام هو الإمساك، والحبس وتكليفٌ في هذه الدنيا وانقطاعٌ عمّا يحبّ الإنسان، أمّا الآخرة فهي دار الجزاء والنعيم لمن أطاع الله عزّ وجلّ.
والريان من الري الكثير، وهو نقيض العطش، فهو جزاءٌ للصائمين على عطشهم وجوعهم، ويُدعى إليه الصائمون، ومن أكثر من الصلاة يُدعى إلى باب الصلاة، ومن أكثر من الصدقة يُدعى إلى باب الصدقة، ومن أكثر من الجهاد يُدعى إلى باب الجهاد، ومن أعطى في كلّ ما سبق؛ فإنّه يُدعى إلى الأبواب جميعًا؛ فهذا تكريمٌ له بالدعوة إلى الأبواب جميعًا.
جزاء الصائم من الله
وعد الله -عزّ وجلّ- الصائمين بفيضٍ من البركات؛ ففي الصيام حياة الراحة والسعادة والكرامة، وممّا وعد الله -جلّ جلاله- به الصائمي: دخولهم من باب الريان وهذا الجزاء الوافر العظيم وغفران الذنوب، الذي خُصص للصائم، على أداء هذا الفرض العظيم، الذي يبين الإيمان الحقّ من الإيمان المزيف: الصوم لله -عزّ وجلّ- فهو يجزي به.
الصوم تهذيبٌ للنفس، وصونٌ للسان عن الأخلاق السيئة، والكلام الفاحش والبذيء، هذا لمن صام صومًا شرعيًّا خالصًا لله، وهذا هو شرع الله لعباده المؤمنين، وليس ما يمليه الشيطان على أتباعه العاملين بوساوسه وكيده، فيحافظ الصائم على أخلاقه في تعامله مع كافّة الناس، من حفظ لسانه، وأفعاله، ويتحلّى بأخلاق الصائمين ، فالصوم جُنَّةٌ وساترٌ يستر صاحبه من نار جهنّم.
لنطرق باب الريان
يزكي المؤمن صيامه وقيامه، ويفتح أبواب الجنّة جميعها، مثلًا عندما يذكر الذكر بعد الوضوء ، ويحسن صلاته وصيامه، وسائر عباداته، في أقواله وأفعاله، يعمل بنهج الصائمين في كتاب الله، وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، عندها يفوز المؤمن بالدخول من باب الريان، ويتقرب إلى أعظم مكانةٍ للصائمين، الطائعين، والقائمين على حدود الله -عزّ وجلّ-.
و رمضان شهر البر والإحسان، ومضاعفة الأجور والحسنات، وشهر رُفعت منزلته عن غيره من الشهور، فأجره لم يطلع عليه أحدٌ من الخلق، فليس المقصود من الصيام الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل حفظ الصيام من ما يدنّسه، وجعله خالصًا لوجه الله بالطاعات والعبادات، وبه عتقٌ من النيران، وفتحٌ لأبواب الجنان، والله يحبّ التائبين، ويقبل الطائعين، فهذا فضلٌ ومنَّةٌ من الله لعباده المتقين.