شرح حديث (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه)
المعنى الإجمالي للحديث
يرشد هذا الحديث النبوي الشريف إلى عدة مبادئ، وأسس في الشريعة الإسلامية، لعل أبرزها:
- تناول الحديث النبوي الشريف أصلاً عظيماً من أصول الدين، ألا وهو محاولة تحسين العمل وتجويده، فإذا كان الإتقان في العمل من الأمور التي يحبها، فحريّ بالعبد أن يبادر في تحسين أعماله وتكميلها على أحسن وجه أرداته الشريعة، حيث قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
- يرشد الحديث النبوي الشريف إلى أن المعيار الذي يفرق به بين العبد المقصر والعبد الساعي إلى رضوان الله تعالى بأقصى جهده، هو الإحسان في العمل، والمحاولة في تكميله وإتقانه.
- حرص الشريعة الإسلامية على نوعية العمل وكيفيته، دون النظر والتطلع إلى الكثرة، بل إن هذا الأمر يكون في جميع الشريعة، من العبادات، والمعاملات، وغيرها، ف العبرة ليست في أداء العمل فقط، ولكن في الصفة التي أُدِّي بها العمل.
بعض صور الإتقان في العمل
الوضوء
حرص الإسلام على إتقان الوضوء وتحسينه، بل إنه رتب الأجور العظيمة عليه، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ أَظْفَارِهِ)، وذلك بمراعاة فروضه، وسننه، وآدابه.
الصلاة
ويكون ذلك من خلال مراعاة أركان الصلاة وواجباتها ، والطمأنينة فيها وخشوعها؛ ولذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث التي تدل على الاعتناء بكيفية الصلاة، وليس أدل من قوله -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، وكذلك ما جاء من وصف أمهات المؤمنين لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما سُئلت عائشة رضي الله عنها يومًا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، قالت: (ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ، وَلَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا)
فكما جاء في الوضوء والصلاة فقد جاء أيضاً في عبدات أخرى، كما جاء الحث على إتقان الصيام في السنة النبوية، وكيف أن الصيام لا يكون فقط عن الطعام والشراب، بل يكون صيام المرء عن الشهوات التي تنقص من ذلك الأجر العظيم، وكذلك فقد جاء الأمر بإخراج الزكاة من أفضل المال، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾ ، وقد جاء كذلك الحثّ في إتمام عبادة الحج وإتقانها، قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ) .