شرح حديث (إن الصدق يهدي إلى البر...)
نص الحديث
روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
شرح الحديث
يُطلق لفظ البرّ ويُراد به كل ما فيه خير، فهو اسم شامل لما يحبّه الله ويرضاه، وقيل إنّ البرّ هو الجنّة، والمقصود في الحديث النبوي بأنّ الصدق يهدي إلى البرّ؛ أي إنّ الصدق يكون سبباً في الهداية إلى العمل الصالح الخالص لله -تعالى-، ابتغاءَ ما عنده من الأجر والثواب.
والصلاح في الحال والأحوال هو ثمرة من ثمرات الصدق ، الذي أمر به -سبحانه وتعالى-، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
وإنّ العبد المسلم يحرص على التزام الصدق وتحرّيه، والسير في طريقه لينال مرتبة الصديقين عن الله، ليكون مُستحقاً لدخول الجنّة بعد ذلك، ويشتمل الصدق الوارد في الحديث على ثلاثة أنواع على النحو الآتي:
- الصدق في العقيدة؛ وهو إخلاص العبادة لله -تعالى- وحده، من خلال اتباع السلف في الإيمان بأسماء الله وصفاته.
- الصدق في الفعل؛ بأن يكون موافقاً لشرع الله في دين الإسلام.
- الصدق في القول؛ من خلال مطابقة الأقوال لما يحدث في الواقع.
ثمّ يحذّر رسول الله من الكذب، لأن الكذب يوصل إلى الفجور، والفجور يشمل كل ما يخالف البرّ، فإن ذلك تحذير من الوقوع في الكذب والتساهل فيه، فإن ذلك يؤدي لمعرفته بين الناس بالكذب.
كما أنّه صفة من صفات المنافقين ، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذبَ، وإذا وعدَ أخلفَ، وإذا ائتُمِنَ خانَ)، فيكتب عند الله كذّاباً، ويكون جزاؤه النار.
فوائد الصدق
تظهر آثار الصدق على أقوال الصادق وأفعاله وسلوكاته، ومن هذه الآثار ما يأتي:
- سلامة المعتقد مما قد يشوّهه ويؤثر عليه، سواء أكان ظاهراً أم باطناً.
- تقديم النفس والمال وكل ما يملك العيد في سبيل نصرة دين الإسلام، وابتغاء مرضاة الله -عزّ وجلّ-.
- علو الهمّة؛ فإن الصادق لله -تعالى- في عبادته، يقوم بالطاعات والقربات طاعة تلو الأخرى، وكلّ منها تدفعه إلى القيام بغيرها وتكون سبباً فيها، دون أن تفتر همّته أو يتكاسل عنها؛ لأنّه إنّما يريد بها مزيداً من الأجر.
- ثمّ إنّه يتلافى التقصير ويعوّض ما فاته إذا تكاسل عن الطاعات لفترة، فتراه يشدّ عزمه ويقبل على الطاعة من جديد، عملاً بقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوا إِذا مَسَّهُم طائِفٌ مِنَ الشَّيطانِ تَذَكَّروا فَإِذا هُم مُبصِرونَ).
- حبّ الصالحين وتحرّي مجالسهم، لأنّه يعتبر ذلك دافعاً ومشجّعاً له على الطاعات، ويحرص على عدم مجالسة رفقاء السوء إلّا بما يراه مناسباً لدعوتهم وأمرهم بالمعروف.
- التسمّك بالاستقامة، و الثبات على دين الله ، دون أن تغريه شهوات نفسه ومفاتن الدنيا.