شرح حديث (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ...)
نص الحديث
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دخَل رمضان، فُتحِت أبواب الجَنَّة، وغُلِّقت أبوابُ النار، وسُلسِلت الشياطين) .
شرح الحديث
يخبرُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المسلمينَ في هذا الحديث أنه عند حلول شهر رمضان المبارك تُفتحُ أبواب الجنة ، وتغلق أبواب النار، وتقيد الشياطين وتُحبس، وهذا تعظيمٌ لشهر رمضان، وفضلٌ ورحمةٌ من الله -عز وجل- لعباده، ليتوجهوا إلى الطاعات والعبادات، ويُخلصوا له النية، ويقبلوا عليه -عز وجل- في هذا الشهر المبارك، قال -تعالى-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) ، ففضلُ شهر رمضان عظيمٌ عند الله -تعالى-؛ ففيه أُنزل القرآن، وفيه عبادةٌ عظيمةٌ هي أشبهُ بعبادة الملائكة؛ وهي الصوم عن الطعام والشراب وسائر الشهوات، وفيه تفتح أبواب الرحمات.
ولم يقل الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- فُتِحت، وإنما قال فُتِّحَتْ وهي صيغة مبالغة؛ أي أن كل باب من أبواب الجنة يُفتح على مصراعيه، ومقدار مصراع الباب الواحد في الجنة ما بين المشرق والمغرب وذلك من فضل الله ورحمته ومنته، وتُفتح أبواب الجنة للصائمين على آخرها، ترغيباً للطائعين، والعابدين، والتائبين، والمقبلين على الله -عز وجل-، والتالين لكتابه، وغيرهم ممن عمل الصالحات والطاعات بمختلف أنواعها، وتُغلق أبواب النيران إغلاقاً تاماً، ليُقبل الغافلون حقَّ الإقبال على الله، وليعلموا بأن رحمة الله واسعة وأن باب التوبة مفتوح .
وأما الشياطين فإنها تُقيد وتُربط بالسلاسل في رمضان فلا تستطيع الوصول إلى المؤمنين لتوسوس لهم كما كانت توسوس قبل رمضان، وقد يجد البعض صعوبة في فهم كيف أن بعض الناس يفعلون المعاصي في هذا الشهر والشياطين مسلسلة؟، والجواب على ذلك يكمن في شرح معنى التقييد الوارد في الحديث، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المقصود بذلك ليس كل الشياطين بل مسترقو السمع فقط، وهم الذين تحدث عنهم القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ)، وذهب البعض الآخر من العلماء إلى أن المقصود بتقييد الشياطين هم المردة منهم والأشد عدواناً للمؤمنين فقط وليس جميعهم.
وإن الشياطين أيضاً تُحبسُ عن الصائمين المُخلصين في صيامهم وقيامهم وطاعاتهم فقط، والإخلاص في الصوم هو المحافظة على شروطه وأركانه، ومراعاة آدابه، من القيام بالفرائض و الابتعاد عن المحرمات والمعاصي، أما من لم يحافظ على صيامه ويخلص فيه وكان صيامه عبارةً عن امتناعٍ عن الأكل والشرب فقط، فهذا لا يُمنع عنه كيد الشياطين ولا يُحفظُ من شرورهم، فالأمر يعتمد على كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملاً دُفع عنه الشيطان، وفاز بفضل هذا الشهر العظيم، ومن كان صومه ناقصاً، لم يسلم من شر الشيطان ومكره، وخاب وخسر في هذا الشهر العظيم، كما أنه لا يلزم من حبس الشياطين عدم وقوع الشر، فهناك نفوسٌ خبيثة، وشياطين إنسية تعتبر من أسباب وقوع الشر أيضاً.
فوائد الحديث
وردت في هذا الحديث عدة فوائد، منها:
- بيان مكانة شهر رمضان المبارك وعظم قدره عند الله -تعالى-.
- بيان فضل شهر رمضان على غيره من الشهور والأوقات.
- بيان وجوب تعظيم شهر رمضان عند المؤمنين ومعرفة حرمته.
- ترغيب المؤمنين في الإكثار من عمل الطاعات في شهر رمضان المبارك.
- ترقيق قلوب العصاة والمذنبين وتليين قلوبهم بإخبارهم عن رحمة الله -تعالى- وعفوه وغفرانه وقبوله لتوبة عبده المُقبل عليه.
- بيان معونة الله -تعالى- لعباده المؤمنين بحبس الشياطين عنهم في هذا الشهر المبارك.
- تحذير المؤمنين من عدم التهاون والتكاسل عن عمل الخير والاجتهاد في الطاعات في هذا الشهر لأنه لا عذر للمقصرين بعد حبس الشياطين في رمضان .
- بيان جواز قول رمضان دون كلمة شهر قبله، وفي ذلك رد على من قال بكراهة ذلك محتجاً بأن رمضان اسم من أسماء الله -تعالى-، والحقيقة أنه ليس كذلك، لأن أسماء الله -تعالى- توقيفية، أي أنها لا تثبت إلا بدليل صحيح، ولم يثبت أن رمضان اسم من أسماء الله -تعالى-.
- بيان وجوب الإيمان بكل ما جاء من عند الله -تعالى- ومن عند رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما دام ثابتاً في القرآن والسنة، وعدم جواز مخالفته أبداً، حتى لو كان يُعارض -حسب الظاهر- الواقع المحسوس، فالمشكلةُ حينها لا تكون في النص وإنما في فهمه.