شرح حديث: الدين النصيحة
نصّ حديث: الدين النصيحة
أخرج مسلم في صحيحه، عن تميم الداري -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ)، وفي رواية أخرى أخرجها الألباني عنه، أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الدينَ النصيحةُ_ إن الدينَ النصيحةُ_ إن الدينَ النصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم).
شرح حديث: الدين النصيحة
معاني مفردات الحديث
في الحديث مفردات آتيًا بيان معانيها:
- النّصيحة: قولٌ فيه دعوةٌ إِلى صلاح ونَهْيٌ عن فساد.
- أئمة المسلمين: الخَلِيفَةُ الحَاكِمُ، كَبِيرُ القَوْمِ.
المعنى الإجماليّ للحديث
في الحديث بيانٌ وتوضيحٌ لمواضع النّصح في الإسلام، ويخبرنا النّبي -عليه السلام- أن النصيحة عماد الدّين ووسيلة ظهوره وانتشاره، وإنّ التناصح وحسن معاملة النّاس من أبرز معالم الدّين الإسلامي، وفي الحديث يسأل الصحابة -رضوان الله عليهم- النّبي -صلى الله عليه وسلم- عن مواضع النّصيحة، فأجابهم النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ النّصيحة الواجبة تكون موجهة لفئاتٍ، وآتيًا بيانها:
النّصيحة لله تعالى
تكون النصحية لله تعالى بتعظيم أمره، والإيمان به وأنّه متصف بصفات الكمال منزّه عن النقائص والآثام فإنّه سبحانه ليس كمثله شيء كما أخبر عن نفسه، كما تكون بنفي الشرك عنه، وإخلاص العبادة له، وإجلاله وتعظيمه.
النّصيحة لكتابه
وتكون بالإيمان به وأنّه منزّل من عند الله تعالى، وإعطائه حقّه من التلاوة والحفظ والعمل به ونشر علومه، وتعظيم قدره وشدة حبّه، والدفاع عنه، والاتعاظ بما فيه والتفكّر بآياته.
النّصيحة للرسول -عليه الصلاة والسلام-
وتكون بالاقتداء بالرسول -عليه الصلاة والسلام- واتباعه والتصديق بما جاء به من عند الله -تعالى-، والدّفاع عنه بنفي التّهم عنه، والتزام أوامره واجتناب ما نهى عنه، ومعاداة من عاداه، ونشر دعوته.
النّصيحة للأئمة المسلمين
- والمقصود بهم أولياء الأمور، وتكون نصيحتهم بطاعتهم في المعروف ومعانتهم على الحق والدّعاء لهم وتنبيههم برفق ولين، ومجادلتهم بالمعروف، وإعانتهم على صلاح الرعيّة.
- وقد يشمل معنى أئمة المسلمين علماؤهم ومشايخهم وهؤلاء تكون نصيحتهم بتوقيرهم والدعاء لهم وقبول ما رووه، وإحسان الظنّ بهم، وحسن معاملتهم وإعانتهم في نشر العلم، والدّفاع عنهم ونفي التّهم عنهم.
النّصيحة لعامّة المسلمين
وتكون بنشر العلم بينهم وتعريفهم أوامر الله -تعالى- وأوامر رسوله -عليه السلام- وأحكام الدّين وشرائعه، ودعوتهم إلى كل ما فيه خير وصلاح لهم، ودفع الضرر عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق ولين، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وتجنّب غشهم وحسدهم والمكر لهم، وأن يحب لهم كما يحبّ لنفسه ويكره لهم كما يكره لنفسه، والدفاع عنهم وعن أموالهم وأعراضهم، إلى غير ذلك مما فيه خير وصلاح لأمور دينهم ودنياهم.
مما يُستفاد من الحديث
في الحديث جملة من الفوائد والمعاني آتيًا ذكرها:
- في الحديث حثٌّ على التناصح لكافة المسلمين.
- أن التناصح بالمعروف يظهر فيه جوهر الدّين.
- أن مقصود النّصيحة هي إرادة الخير للمنصوح له.
آداب النّصيحة
للنّصيحة آدابٌ ينبغي على النّاصح مراعاتها أثناء نصحه:
- الإخلاص لله تعالى ، فعلى النّاصح أن لا يكون متعاليًا في نصيحته أو أن يكون مظهرًا للتفضل عليه بالنّصح، وعليه أن يعلم أن نصيحته منّة من الله تعالى أجراها على لسانه.
- التأكد من صحة النّصحية من الناحية الشرعية، فالنّصيحة أمانة وعلى النّاصح أن لا يغشّ المنصوح فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النّبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ).
- اختيار الوقت والزمان المناسبين للنصيحة، فليس كل وقت وكل زمان مناسبًا للنصيحة والناصح الفطن من ينتبه لهذه المسألة.
- إظهار المحبة للمنصوح قبل نصحه، فإنّ النّبي عليه الصلاة والسلام كان إذا نصح أحدًا من أصحابه أظهر له الودّ والمحبّة، وهذا حتى تكون النّصيحة أكثر قبولًا.
- أن تكون النّصيحة بالسّر؛ حتى تكون أدعى للاستجابة وأكثر قبولًا، فإنّ النصيحة أمام النّاس فضيحة.
- تجنّب مجادلة المنصوح، إذ إن هدف النّصيحة تصحيح الخطأ لا إبراز الحجج عليه، وزيادة الأمر سوءًا.
- الدّعاء للمنصوح قبل النّصيحة وبعدها بأن يشرح الله صدره ويوفقه لما فيه خير له.
- عمل النّاصح بما ينصح، وقد ذمّ الله سبحانه من يأمرون بالفعل وهم ممتنعون عنه.
- تقدير ظروف المنصوح والتماس العذر له، فمن الأدب ألّا يضيّق الناصح على المنصوح وألّا يحرجه.