شجاعة أبي بكر الصديق
شجاعة أبي بكر الصديق
يعدُ أبو بكرٍ الصِّديق أوَّل الرِّجال الذين دخلوا الإسلام ، وأوَّل شخصٍ صَدَّقَ الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بحادِثة الإسراء والمعراج، ولهُ مواقف عديدةٌ تُظهر شجاعته منها:
شجاعة أبي بكر الصديق في الجهاد والقتال
عزِمَ أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنهُ- وأرضاه أن يحمي الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في الجهاد والقتال؛ فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنهُ- إذا حَمِيَ الوطيس كنَّا نحتمي برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أبو بكرٍ -رضي الله عنهُ- يتمثل شجاعة الرسول --صلّى الله عليه وسلّم-، وفي غزوة أُحد تخلَّف من تخلَّف وفرَّ من فرَّ، فأسرع أبو بكر -رضي الله عنهُ- إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليحميه ويذود عنه بعد أن أصيب طلحة -رضي الله عنهُ- بين يدي الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكرٍ الصديق: (دونكم صاحبكم فقد أوجب).
كما ظهرت شجاعته في غزوة بدر عندما تم اقتراح بناء عريش يجلس فيه الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- حمايةً لهُ، فوقف أبو بكرٍ الصِّديق -رضي الله عنهُ- أمام العريش شاهراً سيفهُ ليدافع عن الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-.
وكان -رضي الله عنه- أشجع الأمَّة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتميَّز بثبات قلبهِ في الغزوات جميعها، فكان يُثَبِّت الصَّحابة وظهر ذلك عندما قال بعض الأشخاص أنَّ محمداً قد قُتل في غزوة أُحد، ليهرب المسلمون ولم يبقَ مع الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- إلَّا القليل من الصَّحابة الذين بلغ عددهم العشرون، وكان من ضمنهم أبو بكر؛ ليبقى ثابت القلب ساكن الجأش، وفي غزوة الخندق عندما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر فثبتَ قلبهُُ، وأخيراً في يوم حنين حيث فرَّ النَّاس ولم يفر معهم.
شجاعته في الدفاع عن النبي
تميَّز أبو بكرٍ الصِّديق -رضي الله عنهُ- بالشَّجاعة في الدِّفاع عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبرز المواقف التي بيَّنت شجاعتهُ -رضي الله عنهُ- عندما سأل عروة بن الزبير عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن أشدِّ ما فعل المشركون برسول الله -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فقال: (رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم)).
نماذج أخرى من شجاعة أبي بكر
عُرِفَ قديماً أنَّ الشَّجاعة والقوَّة من الصِّفات التي يجب أن يتحلَّى بها خليفة المسلمين حتى لا تضيع هيبة البلاد الإسلاميَّة، ومن المعروف أنَّ اتِّخاذ قرار الحرب يحتاج إلى رجلٍ لا يهاب الموت، لا يتردَّد في أخذ القرار، وفي النَّماذج التَّالية مجموعة من مواقف أبي بكر الصِّديق في الشَّجاعة ومنها مايأتي:
- شجاعته في بأسه وثباته وقوته: رواية عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهُ- عندما سأل المؤمنين من أشجع النَّاس؟ فأجابوا بأنّهُ أنت يا أمير المؤمنين، فقال: "أنا شجاع ولكن هناك من أكثر شجاعةً مني"، فقال النَّاس: "لا نعلم يا أمير المؤمنين"، فأخبرهم بأنَّ أشجع النَّاس أبو بكر الصديق -رضي الله عنهُ-؛ إذ إنَّه حضر مع الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- أغلب الغزوات، وعندما كانت قبيلة قريش تتعمَّد أذيَّة الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- ويضربوه، ويقولوا له: "أنت الذي جعلت الآله إلهاً واحدًا؟" فأتى أبو بكر الصديق يَضرب هذا ويهين هذا ويقول: "ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟" فرفع علي بن أبي طالب عباءتهُ وأجهش في البكاء على أبي بكرٍ الصِّديق -رضي الله عنهُ-.
- إقدامه على المخاوف دون تردد في سبيل الإسلام: كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنهُ- أشجع من عمر بن الخطاب، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير -رضي الله عنهم جميعاً-؛ إذ عاش أبو بكر الصديق -رضي الله عنهُ- الأهوال التي عاشها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بداية الدَّعوة إلى آخرها، فلم يشعر بالجبن أو الخوف أو الفشل، وكان -رضي الله عنهُ- يُقدم على الصِّعاب والمخاوف، ويحمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفسهِ ومالهِ، ويحارب الكفَّار مرةً بيديهِ ومرةً بلسانهِ ومرةً بمالهِ.
- شجاعته في إسلامه والدعوة الى الدين: كان المسلمين في بداية الدِّين الإسلامي يجتمعون في دار أبي الأرقم ويعبدون الله سرَّاً، ومكث الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابهُ كذلك حتى أسلم الفاروق عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهُ-، فأعلنوا عبادتهم وواجهوا أهل مكَّة بدينهم، فعرض عندها أبو بكر -رضي الله عنه- أن يظهروا ويستعلنوا، وقد وصل عدد المسلمين ثمانية وثلاثين رجلًا، فأخبره الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بأن عددهم قليل، فاستمرَّ الصِّدِّيق في مشاورة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حتى أذِن لهُ بالخروج، ليخرج بعدها إلى المسجد الحرام، وقام أبو بكر -رضي الله عنهُ- خطيباً ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسٌ بجانبهِ، فكان أبو بكر بذلك أوَّل خطيبٍ دعا إلى الله -تعالى- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فثار المشركون وتهجموا على أبي بكرٍ -رضي الله عنهُ- وضربوه ضرباً شديداً في جميع أنحاء جسمهِ.
- شجاعته وثباته عند وفاة النبي: ظهرت شجاعة أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنهُ- عند وفاة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر رضي الله عنه- أنَّ الرَّسول لم يمت، وسكت عثمان، واستخف علي، واضطرب الأمر على أبي بكر -رضي الله عنهُ-، فأتى إلى الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- وقال بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وبعدها خرج إلى النَّاس وقال: "من كان يعبد محمداً فإنَّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت"، وتلا قوله -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، ليخرج المسلمون بعد ذلك وهم يتلون هذه الأية كأنَّها نزِلت توَّاً، واختلف المسلمون في مكان دفن الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- فأخبرهم الصديق -رضي الله عنهُ- أنَّ الرُّسل يدفنون حيث ماتوا.
أخلاق أبي بكر الصديق
تمتع أبي بكر الصديق بِمجموعة من الأخلاق من أهمها ما يأتي:
- موضع للألفة بين قومهِ؛ فكانت القلوب تميل إليه لعلمهِ وحسن مجالستهِ.
- أعفُّ النَّاس في الجاهلية؛ إذ حرَّم على نفسهِ الخمر قبل الإسلام، وكان يصون عرضهِ، ويحفظ مروءته، فإنَّ من شرِب الخمرَ كان مُضيِّعاً لمروءته وعرضهِ.
- يُكسب المعدوم ويفعل المعروف ، ويُعين النَّاس على النَّوائب.
- امتلك فطرةً سليمةً قويمة منعتهُ من أن يسجد لصنمٍ في الجاهليَّة.