شاعرات العصر الجاهلي
هند بنت عتبة
هندُ بنتُ عُتبة الشاعرة القُرشية العبشمية الكنانية، ابنةُ عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، ووالدة معاوية بن أبي سفيان، وزوجة سفيان بن حرب، صحابيّةٌ اشتُهرت بشدةِ بأسِها وشجاعتها، حتى أطلِق عليها لقب "آكلةُ الأكباد"، يذكر لها التاريخ قبل إسلامها أنها تشفّت بقتلى المسلمين يوم أحد ومنهم سيد الشهداء "حمزة بن عبد المطلب"، ولكنها أسلمت بعد الفتح، وشهدت موقعة اليرموك، كما حرضت على قتال الروم.
وكانت من سيدات العرب وفصيحاتهم، ومن الشاعرات اللواتي عبّرنَ بالشعرِ عن مواقف حياتهنّ المختلفة في سِلمٍ وحَرب، وقد تجلت فصاحتها وشجاعتها في محاورتها للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامها، ومن الأبيات التي قالتها في رثاء والدها "عتبة" وأخيها "شيبة":
أبكي عميد الأبطحين كليهما
- وحاميهما من كل باغٍ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي
- وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالبٍ
- وفي العز منها حين ينمي عديدها
زرقاء اليمامة
يعود نسب الشاعرة زرقاء اليمامة إلى بني جديس من أهل اليمامة، وقد قيل بأن اسمها "عنز"، ولكنها اشتهرت بزرقاء اليمامة دلالةً على زرقةٍ في عينيها، ولكنّ الصفة الأشهر والتي ميّزتها عن غيرها هي حدّة الرؤية والبصر الذي جعلها ترى أبعد مما يراهُ قومها، والقصة التي حُكِيَتْ عنها عبر التاريخ هي أنّها رأت جيشًا من عدوّ قومها يتربّصون ويستخفونَ بغصون الأشجار، فأنذرت قومها منهم وحذَّرتهم فلم يستجيبوا لنصحها، فغزاهم العدوّ وأبادهم عن آخرهم، يُلاحَظُ في شعرها سهولة المفردات ومباشرة المعنى لما تريد إبلاغه من تحذير، ومثل ذلك قولها:
خذوا حِذركم يا قوم ينفعكم
- فليس ما قد أرى بالأمر يُحتَقرُ
إني أرى شجرًا من خلفها بشرٌ
- وكيف تجتمع الأشجار والبشرُ؟
ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم
- فإنَّ ذلك منكم ـ فاعملواـ ظَفَرُ
ضُمُّوا طوائفكم من قبل داهيةٍ
- من الأمور التي تُخشى وتُنتَظرُ
الخنساء بنت زهير بن أبي سلمى
اشتُهر زهير بن أبي سُلمى بالحكمة وشِعر السِّلمِ في الجاهلية، وقد ورَّث الشعر لابنيهِ "كعب وبُجير"، كما ورثتْهُ عنه ابنته "الخنساء" التي لم تشتهتر شُهرةَ أخويها، وإنما كانت الشهرة للخنساء أختِ زهير بن أبي سلمى، كما أن له أختًا شاعرة تُسمى "سَلمى"، وكان من أوائل المقدمين على العرب بأشعارهم، أما ابنته فلم تنل حظًّا وافرًا من الرواية، وكان من شعرها الرثاء لوالدها زهير بقولها:
وما يغني توقي الموت شيئًا
- ولا عقد التميم ولا الغضار
إذا لاقى منيته فأمسى
- يساق به وقد حق الحذار
ولاقاه من الأيام يومٌ
- كما من قبل لم يخلد قدار
صفية الباهلية
ومن الشاعرات اللواتي عُرفن في الجاهلية بفصاحتهم وبترنّمهم بالشعر الشاعرة صفيّة الباهلية، وعلى قلةِ المصادر التي أوردت التعريف بها إلا أن شِعرها قد تميز باللين والرقة لما يحمله من معانٍ رقيقة فيها حزنٌ وشجىً، ومن أشعارها في رثاء أخيها:
عشنا جميعاً كغضني بانةٍ سمقا
- حيناً على خير ما تنمى له الشجر
حتى إذا قيل قد طالت فروعهما
- وطاب قنواهما واستنضر الثمر
أخنى على واحدٍ ريب الزمان وما
- يبقي الزمان على شيء ولا يذر
فاذهب حميداً على ما كان من أثرٍ
- فقد ذهبت وأنت السمع والبصر
وما رأيتك في قوم أسر بهم
- إلا وأنت الذي في القوم تشتهر
كنا كأنجم ليلٍ بينا قمر
- يجلو الدجى فهوى من بيننا القمر
عاتكة بنت عبد المطلب
عاتكةُ بنتُ عبد المطلب الهاشمية القرشية هي عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأختُ أبي طالب والعباس، ولم يجزم الدارسون بإسلامها وإنما أوردوا عنها رؤيا أفزعتها وروتْها لأخيها العباس تتعلق بغزوةِ بدر قبل خروج الغزوة بثلاثة أيام، وفي العديد من الأخبار يجد القارئ أن شعرها فيه الشدة والحزم، وفي مواضع أخرى فيه اللين والسهولة ولا سيما عند الرثاء، بالإضافة إلى ما تُضفيهِ البيئة الجاهلية من وعورةٍ في اللفظ واستعمال المفردات الجزلة، إذ قالت ترثي أباها عبد المطلب:
أَعَيْنِيَّ جُودَا وَلَا تَبْخَلَا
- بِدَمْعِكُمَا بَعْدَ نَوْمِ النِّيَامِ
أَعَيْنِيَّ وَاسْحَنْفِرَا واسكبا
- وشوبا بكاء كَمَا بِالْتِدَامِ
أَعَيْنِيَّ وَاسْتَخْرِطَا وَاسْجُمَا
- عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ نِكْسٍ كَهَامِ
عَلَى الْجَحْفَلِ الْغَمْرِ فِي النَّائِبَاتِ
- كَرِيمِ الْمَسَاعِي وَفِيِّ الذِّمَامِ
عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ وَارَى الزِّنَادِ
- وَذِي مَصْدَقٍ بَعْدُ ثَبْتِ الْمَقَامِ
وَسَيْفٍ لَدَى الْحَرْبِ صَمْصَامَةٍ
- وَمُرْدَى الْمُخَاصِمِ عِنْدَ الْخِصَام
وَسَهل الْخَلِيفَة طَلْقِ الْيَدَيْنِ
- وَفِي عَدْمَلِيٍّ صَمِيمٍ لُهَامِ
تَبَنَّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ
- رَفِيعُ الذُّؤَابَةِ صَعْبُ المَرَامِ
صفية بنت عبد المطلب
صفيةُ بنت عبد المطلب الهاشمية عمّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أختُ عاتكة، وهي العمة الوحيدةُ التي دخلت في الإسلام حسب أغلب المصادر، إذ أسلمت في أوائل أيام الدعوة، وهي والدة الزبير بن العوام فارس النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، إنها من النساء الخالدات في التاريخ العربي والإسلامي، ولها من المواقف ما نصرت به الإسلام ووقفت به إلى جانب الدعوة وقوفًا مباركًا، وبالإضافة إلى تميزها في الشعر العربي فقد روَت الحديث الشريف، ورَثَت النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مثلما رثت والدها من قبل.
فقد قالتْ في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم:
لهف نفسي! وبت كالمسلوب
- آرق الليل فعلة المحروب!
من هموم وحشرة ردفتني
- ليت أني سقيتها بشعوب!
حين قالوا: إن الرسول قد أمسى
- وافقته منية المكتوب!
حين جئنا لآل بيت محمدٍ
- فأشاب القذال أي مشيب
برة بنت عبد المطلب
أيضًا برة بنت عبد المطلب الهاشمية القرشية، عمةٌ من عمات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها لم تنل شُهرةَ صفيَّة وعاتكة، وهي من شاعرات العرب وأديباتهم، ويمكن القول بأن الرثاء هو الغرض الشعري المشترك الذي يجمع أغلبهم، والذي يغلب على أشعارهم، لما في الرثاء من مناسبة يُقال فيها، فمن رثاء برة لوالدها عبد المطلب قولها:
أعينيَّ جودا بدمعٍ دُررْ
- على ماجد الخيم والمُعتَصرْ
على ماجدِ الجدِّ واري الزناد
- جميل المُحيَّا عظيم الخطَرْ
على شيبة الحَمد ذي المكرُمات
- وذي المجد والعز والمُفتَخَر
وذي الحلم والفضل في النائبات
- كثير المفاخر جَم الفَخَر
له فضل مجدٍ على قومه
- منير يلوح كضوء القمر
أتتهُ المنايا فلم تشُوه
- بصرف الليالي وريب القدر
أميمة بنت عبد المطلب
أميمة الهاشمية القرشية أيضًا عمةٌ من عمات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي والدةُ أم المؤمنين "زينب بنت جحش" رضي الله عنها، ولا تقل أميمةُ عن أخواتها في الفصاحة وبلاغة القول واللسان، إذ إنها كانت شاعرةً مُجيدةً، وتظهر السهولة والليونة في شعرها كما في شعر سابقاتها؛ أي في الرثاء، فقد قالت في رثاء والدها عبد المطلب:
أَلا هَلكَ الراعي العشيرة ذو الفقدِ
- وَساقي الحجيج وَالمحامي عن المجدِ
وَمَن يألفُ الضيفُ الغريبُ بيوتهُ
- إِذا ما سماءُ الناسِ تبخل بالرعدِ
أَبو الحارث الفيّاض خلّى مكانهُ
- فَلا تبعدن إذ كلّ حيٍّ إلى بعدِ
فَإِنّي لَباكٍ ما بقيتُ وموجعٌ
- وَكانَ لَه أهلاً لِما كانَ مِن وجدي
سَقاهُ وليُّ الناسِ في القبرِ ممطراً
- فَسوفَ أبكّيه وَإِن كان في اللحدِ
فَقَد كانَ زيناً للعشيرةِ كلّها
- وَكانَ حَميداً حيثماً كان من حمدِ
أروى بنت عبد المطلب
هي أختٌ لصفيّة وعاتكة وبرة، واحدةٌ من عمات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الشاعرات، وقد اختُلف في إسلامها فقد أثبته بعضهم، إلا أن العديد من الباحثين لم يثبتوه، فلا يمكن الجزم بهذا الأمر، أما ابنها "طُليب" فقد ثبت إسلامه، وقد رُوي عنها أنها كانت تُعين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكلامها ومواقفها وشعرها، وتحضُّ ابنها على اتباع أمرهِ وحُسن متابعته ونُصرَته، وكان من شعرها رثاء والدها أيضًا في قولها:
بَكَتْ عَيْنَيَّ وَحُقَّ لَهَا الْبُكَاءُ
- عَلَى سَمْحٍ سَجِيَّتُهُ الْحَيَاءُ
عَلَى سَهْلِ الْخَلِيقَةِ أبْطَحيٍّ
- كَرِيمِ الْخِيمِ نِيَّتُهُ الْعَلَاءُ
عَلَى الْفَيَّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي
- أَبِيكِ الْخَيْرِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
طَوِيلِ الْبَاعِ أَمْلَسَ شَيْظميٌّ
- أَغَرَّ كَأَنَّ غُرَّتَهُ ضِيَاءُ
أَقَبِّ الْكَشْحِ أَرُوعَ ذِي فُضُولٍ
- لَهُ الْمَجْدُ الْمُقَدَّمُ وَالسَّنَاءُ
أَبِيِّ الضَّيْمِ أَبْلَجَ هِبْرَزِيٌّ
- قَدِيمِ الْمَجْدِ لَيْسَ لَهُ خَفَاء
وَمَعْقِلِ مَالِكٍ وَرَبِيعِ فِهْرٍ
أم الفضل بنت الحارث الهلالية
هي والدة عبد الله بن العباس وهو ابن عم رسول الله صلى الله علي سلم، زوجة هشام بن المغيرة الذي توفيَ قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، أما هي فقد كانت من المعمرين، وعاشت إلى السنة العاشرة للهجرة، وكانت صحابيةً شاعرةً، ولها العديد من الأشعار أهمها شعر في رثاء زوجها، ومن شعرها وهي تُراقص ابنها الصغير :
نمى به إلى الذرى هشام
- قرم وآباء له كرام
جحاجح خضارم عظام
- من آل مخزومٍ هو النظام
مما تقدم يجد الباحث أن المرأة العربية منذ الجاهلية كانت ذاتَ بصمةٍ في المجتمع العربي، تُنافح عن الحق والفضيلة بلسانها ولغتها وفصاحتها، وتقف إلى جانب الدعوة الإسلامية بمبادئها، ولا يُستهان بأثرها، ففي الشر كانت مذمومةَ السيَر، وفي الخير كانت محمودةَ الأثر.