سيرة عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب في الجاهلية
وُلد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مكّة المكرّمة ، وعاش في طفولته حياة الشدّة والقسوة والفقر، وقد أثّر ذلك في شخصيته؛ فجعل منه شخصاً يتحمّل المسؤولية، ويكره الدعة، والراحة، والترف، حيث قال: (لقد رأيتني وأخية لنا، وإنّا لنرعى على أبوينا ناضحاً الإبل لهما، فنغدوا فتعطينا أمنا يَمِينَيها من الهبيد -حب الحنظل يعالج حتى يمكن أكله- وتلقّى علينا نقبةً -قطعةً من الثوب لها- فإذا طلعت الشمس، ألقيت النقبة على أختي، وخرجت أتبعها عرياناً ثمّ نرجع إليها، وقد صنعت لنا من ذلك الهبيد، فنتعشاها، فيا خصبا)، وأمّا مرحلة الشباب، فقد عاشها كباقي شباب قريش ، يدين بدين الوثنية، ويتعاطى الخمور، التي كانت متأصّلةً في نفوس العرب، حيث قال عمر رضي الله عنه: (إنّي كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية)، وعمل عمر بن الخطاب في التجارة حتى أصبح من أثرياء قريش، وقد أُوكلت السفارة إليه في الجاهليّة ؛ وذلك لما له من مكانةٍ رفيعةٍ في قريش، بالإضافة إلى رجاحة عقله، وصواب رأيه، وقوة صفاته الخَلقية والخُلقية، ولمّا جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بدعوة التوحيد ، كان عمر بن الخطاب من أشد المقاومين لها، فقام باضطهاد من آمن من قومه؛ وهم بنو كعب، حتى بلغ شرّه إلى أقرب الناس إليه؛ إلى أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما، وممّا دلّ على قسوة عمر بن الخطاب في جاهليته على المسلمين، ما روي عن تعذيبه لجارية بني المؤمل، حيث كان يضربها حتى يملّ، فيقول لها:(إنّي أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالةً).
إسلام عمر بن الخطاب
سبق إسلام عمر إرهاصاتٌ كانت توحي بقرب دخول الإسلام إلى قلبه، فقد كانت شدّة عمر بن الخطاب وقسوته على المسلمين تخبّئ وراءها رقةً ورحمةً، بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دعا ربّه -عزّ وجلّ- أن يهدي أحبّ الرجلين إليه إلى الإسلام؛ لأنّه علم أنّ في إسلام عمر بن الخطاب، أو أبي جهل مصلحةً كبيرةً للإسلام، فقد روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجُلين إليك؛ بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ، فكان أحبُّهما إلى اللهِ عمرَ بنَ الخطابِ)، وكان من أسباب إسلام عمر رضي الله عنه؛ سماعه للقرآن الكريم في بيت أخته فاطمة بنت الخطاب، فلمّا أسلم فرح المسلمون به فرحاً عظيماً، وازدادوا بإسلامه قوةً ومنعةً، حيث أصبحوا يؤدون شعائر الإسلام جماعاتٍ حول الكعبة المشرّفة ، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنّ إسلام عمر كان فتحاً، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإنّ إمارته كانت رحمةً، ولقد كنّا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلمّا أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلّى عند الكعبة وصلّينا معه)، ولمّا أسلم عمر -رضي الله عنه- سأل عن أكثر من ينقل الحديث في قريش، فقالوا له: جميل الجمحي، فذهب إليه وقال له: (أعلمت يا جميل أنّي أسلمت ودخلت في دين محمد صلّى الله عليه وسلّم)، فما أن أنهى عمر كلامه، حتى انطلق جميل يصرخ بأعلى صوته: (يا معشر قريش ألا إنّ ابن الخطاب قد صبأ) وعمر -رضي الله عنه- خلفه يقول: (كذب ولكنّي أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، فاجتمعوا عليه يقاتلونه ويقاتلهم حتى قامت الشمس على رؤوسهم، فلما تعب جلس ، وهم حوله فقال لهم: (افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمئة رجلٍ لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا)، وهكذا كان إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نقطة تحوّلٍ في تاريخ الإسلام.
خلافة عمر بن الخطاب
عندما شعر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بدنو أجله، خشي أن تقع فتنةٌ بعده بين المسلمين بسبب الخلافة، ففكر في تجميع كلمة المسلمين على رجلٍ؛ ليستخلفه من بعده، فيضمن بذلك نجاح سياسة الفتوح واستمرارها، فأخذ أبو بكر الصديق يستعرض الصحابة -رضي الله عنهم- ويراجع مواقفهم وسيرهم؛ ليختار من بينهم الرجل المناسب للخلافة، فوجد أنّ أنسبهم لذلك رجلين: علي بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولكنّ الأفضليّة كانت لعمر بن الخطاب؛ إذ إنّ علي بن أبي طالب كان أميل إلى الشدّة من اللين، بالإضافة إلى أنّ عمر بن الخطاب كان يؤثر المصلحة العامة على نفسه وأهله وبنيه، وكان صاحب مرونةٍ سياسيّة، فلا أحد يستطيع أن يتحمّل عبء الخلافة الثقيل مثله، فلمّا عزم أبو بكرٍ -رضي الله عنه- على اختيار عمر -رضي الله عنه- لخلافته، بدأ يستشير أهل الحل والعقد من الصحابة رضي الله عنهم، فلم يجد معارضاً له، وبعد ذلك عرض القرار على الأمّة وخاطبهم في المسجد، فما تردّدوا أبدا وأبدوا السمع والطاعة له، ثمّ قال أبو بكر للناس: (فإن تروه عدل فيكم، فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن بدَّل وغيَّر فالخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون)، ثمّ دعا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأمره بكتابة أمر الاستخلاف، ودعا عمر فذكّره بالله تعالى وبما يجب على وليّ أمر المسلمين من تحرّي الحقّ، وأوصاه باستكمال الفتوحات، وبعد وفاة أبي بكرٍ رضي الله عنه، تولّى عمر -رضي الله عنه- الخلافة، وكان أوّل من سُمّي بأمير المؤمنين.