سيرة الشيخ ابن باز
ابن باز
ولد الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز في مدينة الرياض، في الثاني عشر من ذي الحجّة عام 1330 للهجرة، وتوفي والده وهو في مرحلة الطفولة، فكان لا يتذكر شكل والده ولا يعرف ملامحه، ثمّ نشأ الشيخ في مرحلة الصبا ضعيف البنية، حتى أنّه لم يستطع المشي إلا بعد أن بلغ الثالثة من عمره، واشتهر في مرحلة الشباب بالتقوى والمسارعة إلى الخيرات، بالإضافة إلى الكرم والجود، وكان يقضي معظم وقته في روضة المسجد، ويرجع نسب الشيخ إلى أسرةٍ عريقةٍ؛ وهي آل باز، وكانت مشهورةً بالعلم والخُلق ، ويرجع أصل هذه العائلة إلى المدينة المنوّرة ، كما قال الشيخ سليمان بن حمدان في كتاب تراجم الحنابلة، ومن الجدير بالذكر أنّ الشيخ ابن باز أُصيب بمرضٍ وهو في السادسة عشر من عمره أدّى إلى ضعف نظره تدريجيّاً إلى أن فقده بالكليّة في عام 1350 للهجرة، وكان يبلغ من العُمر في ذلك الوقت عشرين عاماً، فكانت ردّة فعل الشيخ على الابتلاء الذي أصابه أن قال: (الحمد لله على ذلك، وأسأل الله جلّ وعلا أن يعوّضني عنه بالبصيرة في الدنيا والجزاء الحسن في الآخرة، كما وعد بذلك سبحانه على لسان نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، كما أسأله سبحانه أن يجعل العاقبة حميدةً في الدنيا والآخرة)، فأثابه الله تعالى عظيم الأجر على صبره واحتسابه، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتَيهِ فصبَرَ، عوَّضتُه منهُما الجنَّةَ)، وعوضه الله تعالى بقوة حفظٍ، وسرعة بديهةٍ، وحدّة ذكاءٍ، فكان أحفظ عصره، وكان إذا سُئل عن حديثٍ ما يستذكر متنه وسنده، ورجاله وشرحه، بالإضافة إلى أنّ فقد الشيخ لبصره ساعده على إغفال زينة الدنيا، وفتنتها؛ ممّا جعله في قمّة الزهد والورع ، والتواضع والتذلّل لله تعالى.
علم الشيخ ابن باز ومؤلفاته
حفظ الشيخ ابن باز رحمه الله القرآن الكريم في صغره، وجدّ في طلب العلم على العلماء في الرياض، ومن العلماء الذين تلقّى ابن باز -رحمه الله- العلم على أيديهم: الشيخ سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض، والشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة العربيّة السعوديّة ، والإمام محمد الأمين الشنقيطي، وأمّا بالنسبة لمؤلفات الشيخ ابن باز فقد كانت كثيرةً، ومنها: الفوائد الجلية في المسائل الفرضية، والتحذير من البدع؛ ويشمل أربع مقالات، وهي: حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبويّة المسمى الشيخ أحمد، وله أيضاً كتاب العقيدة الصحيحة وما يضادّها، والدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، ونقد القوميّة العربيّة، ورسالتان موجزتان في الزكاة والصيام، ووجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه، والجواب المفيد في حكم التصوير، والشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، ووجوب العمل بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحكم السفور والحجاب ونكاح الشغار، والجواب المفيد في حكم التصوير، وحكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووجوب لزوم السنّة والحذر من البدعة، ومن أحبّ الكتب إلى قلب الشيخ: كتاب التحقيق والإيضاح في مسائل الحجّ والعمرة والزيارة، ويرجع السبب في ذلك؛ إلى شدّة حاجة الناس إليه وعموم نفعه.
عمل الشيخ ابن باز
عُيّن فضيلة الشيخ ابن باز -رحمه الله- في القضاء عام 1357 للهجرة، بعد أن ظهرت موهبته في اللغة العربيّة والعلوم الشرعيّة، وعلى الرغم من المنصب الذي تولّاه، إلا أنّه لم ينقطع عن طلب العلم، ولازم البحث والتدريس؛ ممّا أدّى إلى توسّعه في الكثير من العلوم، وبالأخصّ: علم الحديث ، الذي أولاه اهتماماً خاصّاً إلى أن أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحّة والضعف محل اعتبارٍ، وتجدر الإشارة إلى أنّ حلقات العلم والدروس التي كان الشيخ يعطيها كانت مليئةً بطلاب العلم المتفرغين، ومنهم: الشيخ عبد الرحمن بن جلال، والشيخ عبد الله الكنهل، والشيخ عبد الله بن حسن بن قعود، والشيخ صالح بن هليل، والشيخ عبد اللطيف بن شديد، والشيخ راشد بن صالح الخنين، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، ثمّ انتقل الشيخ -رحمه الله- إلى التدريس في معهد الرياض العلمي في عام 1372 للهجرة، وبعدها بعامٍ واحدٍ انتقل الشيخ لتدريس علوم الفقه والتوحيد والحديث في كليّة الشريعة، وفي عام 1381 للهجرة، تمّ تعيينه نائباً لرئيس الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة، ثمّ أصبح رئيساً للجامعة في عام 1390 للهجرة، وفي ذلك الوقت أسّس حلقةً للعلم في المسجد النبويّ، بالإضافة إلى حلقة علمٍ في الجامع الكبير في الرياض، وقد ألّف الشيخ -رحمه الله- الكثير من الكتب، وعلّق على بعض الكتب؛ كبلوغ المرام، وتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر، والتحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة، ومن الجدير بالذكر أنّه تمّ تعيينه رئيساً لإدارة البحوث العلميّة والإفتاء والدعوة والإرشاد، ثمّ مفتياً عاماً للمملكة العربيّة السعوديّة، ورئيساً لهيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلميّة والإفتاء، ومن ثمّ تمّ تعيين الشيخ رئيساً للجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء، ورئيساً للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، ورئيساً للمجمع الفقهيّ الإسلاميّ بمكّة المكرّمة التابع لرابطة العالم الإسلاميّ، ورئيساً للمجلس التأسيسيّ لرابطة العالم الإسلاميّ، وعضواً في الهيئة العليا للدعوة الإسلاميّة.