سيرة الإمام مالك
أصل نسب الإمام مالك
الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي اليمني ، ولد لأم وأب عربيين يمنيين، وقد ولد الإمام مالك في المدينة المنوَّرة، ويعود أصله إلى قبيلةٍ يميَّنةٍ؛ تُدعَي بذي أصبح، وتسمَّى أمُّه بالعالية بنت شريك الأزديَّة.
نشأة الإمام مالك
كانت نشأة الإمام مالك في بيتٍ قد اهتمَّ بعلم الحديث والأثر، فقد كان جدُّه مالك بن أبي عامر من كبار التَّابعين، وقد روى عن عمر بن الخطَّاب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنهم- بالإضافة إلى والد الإمام مالك بن أنس.
وروى الإمام مالك بن أنس عن أبيه أحاديثاً نبويَّةً، إلَّا أنَّ انشغاله بالحديث لم يكن كثيراً، فلم يروِ الإمام مالك عن أبيه أحاديثاً كثيرة، وما رواه بسندٍ عن أبيه عن جدّه عدّه العلماء ضعيفاً.
وعلى الرَّغم من عدم انشغال والد الإمام بالحديث بما يُؤهله لأن يروي عنه ابنه من الأثر النبوي، إلَّا أنَّ جده وأعمامه قد كانوا منشغلين بعلم الحديث، فقد كانوا من الأُسر المشهورة بعلم الحديث، فقد كان أخوه النضر منشغلاً أيضاً بعلم الحديث، وقد رافق العلماء وقد كان ينادى الإمام بأبي النضر؛ لشهرة أخيه دونه، إلى أن أصبح أشهر من أخيه.
وترعرع الإمام مالك في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- مبعث النور وموطن الشَّرع، والتي بها كبر الإسلام، وفيها تناقل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه، فقد كان الإمام مُحاطاً بأسباب التنشئة العلميَّة الصَّالحة، حتى خرج لنا واحدٌ من أئمَّة الإسلام الكبار.
طلبه للعلم
بدأ الإمام مالك رحلته في طلب العلم وهو ابن عشرة أعوام، فجدَّ في طلبه للعلم، وكان في عمر الواحد والعشرين مؤهلاً للفُتيا، فكان يرتاد إليه طلبة العلم في زمن الخليفة أبي جعفر المنصور حتى عصر الرشيد، وكان مخلصًا في طلبه للعلم وقد بات هذا واضحاً من خلال الثمار التي أنتجها في علم الحديث، فقد قيل فيه العديد من الألقاب مثل: عالم الحجاز.
ومن أمثلة شدَّة حرص الإمام مالك على العلم؛ أنَّه انقطع لمدة ثماني سنواتٍ للتعلّم على يد ابن الهرمز، فكان يأتي بيته صباحاً ويغادر ليلًا، وقد ساعده حرصه على طلبه للعلم واستمراره على ذلك؛ فقد كان الإمام مالك يتميز بقوَّة حفظه، وورد في حفظه أنَّه كان يأتي عروة، وابن المسيِّب، والقاسم، وأبا سلمة، فيسمع منهم ما بين الخمسين والمئة حديث، ولا يخلط بينها أبداً.
وكان لذكاء ودقَّة ملاحظة الإمام مالك أثرٌ كبيرٌ في طلبه للعلم؛ فكان يفقه ما يحفظ من الأحاديث، وله علمٌ بحكمة التَّشريع، وكان في فتواه يعتمد على قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، فبرع في علم الحديث والفقه، وكان محاطاً بطلاب العلم لينالوا من فيض علمه.
وفي عصره كان قد كثر رواة الأحاديث، إلَّا أنَّه قد تميَّز بالتحرِّي الشَّديد عند أخذه للحديث واعتماده لديه، فكان لا يأخذ إلَّا من ثقات الرِّجال، وللثِّقات عنده صفاتٌ وحدود، فممّا ورد عنه في هذا الصَّدد أنه قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأذوا دينكم"، وقد قال الإمام البخاري صاحب صحيح البخاري والإمام أبي داود عن الإمام مالك بأنَّ أسانيد الإمام مالك من أصحِّ الأسانيد.
تصدّره للتعليم
كان للإمام مالك في حرصه على طلب العلم والمنهج الذي سار عليه أثرٌ كبيرٌ في جعله إماماً من أئمَّة الإسلام، الذين يُشدُّ لهم الرِّحال للأخذ منهم، وفيما يأتي بعض أقوال العلماء التي تُظهر مكانة الإمام مالك في تصدره للعلم:
- سفيان بن عيينه
قال عندما بلغته وفاة الإمام مالك: ما ترك على الأرض مثله، وقد ورد في الحديث الضعيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يوشِكُ أن يضرِبَ النَّاسُ أَكبادَ الإبلِ يطلبونَ العلمَ فلا يجدونَ أحدًا أعلمَ من عالمِ المدينةِ)، فقد قال بأن مالكًا هو المراد بهذا الحديث؛ لأنه لم يكن له نظير في المدينة المنورة، بالعلم والإفتاء.
- الإمام الشَّافعي
قال عن الإمام مالك: "مالك أستاذي، عنه أخذت علمي".
- ابن معين
قال عن الإمام مالك: "كان مالك من حجيج الله على الخلق".
انتشار مذهب الإمام مالك
انتشر مذهب الإمام مالك بن أنس في بلاد كثيرة حتى وصل إلى دول إفريقيا ، وسنذكر فيما يأتي بعض هذه الدول:
- المغرب
ما زال مذهب الإمام مالك متصدّرا إلى الآن في المغرب مع القليل من مذهب داود الظاهري.
- المدينة المنورة
انتشر المذهب في المدينة المنورة انتشاراً واسعاً، وبقي مذهبه متصدراً في المدينة المنورة حتى تولّاها ابن فرحون ونشر فيها فقه ابن عباس -رضي الله عنه-.
- مكَّة المكرَّمة
ظهر فيها الإمام مالك، لكنه لم يغلب؛ وذلك لتصدُّر آراء الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- في مكَّة المكرَّمة.
- البصرة
ضعف فيها المذهب بعد أن ظهر فيها، وكان ذلك بعد القرن الخامس.
- مصر
كان عثمان بن الحكم الجذامي وعبد الرحمن بن خالد هما مَن أدخلا المذهب المالكي إلى مصر، وكان ظهوره في مصر في حياة الإمام مالك، وقد كان في مصر كثيرٌ من علماء المذهب المالكي؛ كابن القاسم، وابن وهب، واستمرَّ ظهور المذهب في مصر إلى أن جعل الإمام مالك مصر مقاماً له لمدَّة خمس سنين، ثم غلب على مصر مذهب الإمام الشَّافعي.
- بلاد الأندلس
انتشر فيها المذهب المالكي بعد أن كان المذهب الأوزاعي هو السَّائد في البلاد، وكان ذلك بعد زمن الأمير هشام بن عبدالرحمن، فقد قال ابن حزم: إن المذهب المالكي انتشر بالرِّئاسة في الأندلس.
- أفريقيا
كان أهلها يسيرون على المذهب الحنفيِّ، فلمَّا تولى المعز بن باديس نشر فيها وفي البلاد الموالية لأفريقيا مذهب الإمام مالك وتمَّ اعتماده لديهم.