قصص عشق
القصّة
تُعرف القصّة بأنّها مجموعة من الأحداث التي تُسرد على شكلٍ متناسق ومتتابع للأمور، ويمكن للأحداث التي تتحدّث عنها أن تكون حقيقيّةً وتُسمّى هنا القصة بالقصة الحقيقية، أو يمكن أن تكون الأحداث عبارةً عن تخيّلات وتُسمّى هنا بالقصة الخياليّة الّتي يستحيل حدوثها، ويمكن أن تتحدّث القصّة عن أحداث حقيقيّة حصلت لكنّها ليست منقولة منها وهنا تسمّى بالحقيقيّة.
قصّة العشق الدفين
كان رجلٌ من رجال البادية متزوّجاً من امرأةٍ أحبّها، وكانت هذه المرأة متزوّجةً قبله برجلٍ آخر وأنجبت منه طفلاً، وبعد فترة من زواجهما شعر الرجل أنّ زوجته لا تحبّه ولا تشعر به، ولا تكلّمه في أغلب الأحيان؛ حيث إنّه لم يكن يراها تضحك أو تبتسم حتّى، وتراودت الشكوك إليه بأنّ زوجته تحب شخصاً آخر، وتكنّ له مشاعر تخفيها عنه.
احتار الرجل في أمر زوجته فلجأ إلى عجوز كانت تقطن في البادية تُعرف بأنّها حكيمة، وحدّثها بقصّته، وطلب منها أن تجد له حلّاً كي يبعد الشكوك عنه، وكي يتأكّد من حب زوجته له، فقالت له العجوز: يجب أن تصطاد أفعى، وتخيط فمها، وتضعها فوق صدرك أثناء النوم، وعندما تأتي زوجتك كي توقظك تصنّع بأنّك مت.
في صباح اليوم التالي استجاب الزوج لطلب العجوز، وفعل ما أمرته به، فحين جاءت زوجته لتوقظه لم يتحرّك أو ينهض، واعتقدت أن الأفعى لدغت زوجها ومات، فبدأت بالصراخ على ابنها (زيد) كي يأتي إليها، وقالت القصيدة التالية:
يا زيد رد الزمـل باهـل عبرتـي
- على أبوك عيني ما يبطل هميلهـا
أعليت كم من سابقٍ قـد عثرتهـا
- بعود القنا والخيل عجـل جفيلهـا
وأعليت كم من هجمةٍ قد شعيتهـا
- صباح .. وإلّا شعتها من مقيلهـا
وأعليت كم من خفرةٍ في غيا الصبا
- تمنّاك يا وافي الخصايـل حليلهـا
سقّاي ذود الجار اليا غاب جـاره
- وأخو جارته لا غاب عنها حليلهـا
لا مرخٍ عينـه يطالـع زولهـا
- ولا سايـلٍ عنهـا ولا مستسيلهـا
بعد سماع الزوج لهذه القصيدة من زوجته تأكّد من مشاعرها تجاهه، وعرف قيمة حبّها له الّذي كانت تُخبّئه خجلاً منه، فقام من الفراش وهو فرحاً ليقول لها أنا لم أمت. خجلت الزوجة عندما كشفت حبّها ومشاعرها لزوجها، وعندما علمت أنّ زوجها كان يخدعها ولم يمت غضبت وأقسمت بألّا تعود إليه إلّا إذا وافق على الشروط التي قامت بطلبها؛ حيث كان الشرط الأول أن يُكلّم الحجر الحجر، والشرط الثاني أن يُكلّم العود العود، فاحتار الزوج وأصيب بالخيبة.
بعد حيرةٍ كبيرة ذهب الزوج إلى العجوز مرّةً أخرى، وقال لها ما طلبته زوجته، فقالت العجوز أحضر الرّحى؛ فهي عندما تلتفت حولها تصدر صوتاً؛ حيث يُكلّم نصفها نصفها الآخر، وأحضر الربابة ففيها تكلّم الأعواد بعضها، فإن كانت زوجتك تحبك وتريد الرجوع إليك سوف ترجع، ففعل الزوج ما طُلب منه، وعادت زوجته له كما تمنّى.
قيس بن الملوّح وليلى العامريّة
نبذة عن حياتهما
تعدّ هذه القصّة من أجمل قصص الحب الّتي مرّت في التاريخ؛ حيث سطّرت أجمل معاني العشق والحب بين قيس بن الملوّح وليلى العامريّة، وفي التطرّق إلى حياتهما نشير إلى أنّ البطل يُدعى قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب ولد سنة 440 هجري، وكان فتىً ذكيّاً فطناً حافظاً للشعر، وعالماً بأخبار العرب وقصصهم، وعُرف قيس بأخلاقه ومكارم أخلاقه، كان طويل القامة، أبيض البشرة، أجعد الشعر، إلّا أنّه أصابه الجنون من كثرة عشقه وحبّه لليلى.
أمّا البطلة فهي ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وتُكنّى أم مالك، وكان قيس يكبُرها بأربعة أعوام، وكانت طويلة القامة، وبيضاء البشرة، شديدة الجمال والفطنة، ولها عينان ساحرتا الجمال.
قصّة مجنون ليلى
يُقال إنّ قيس وليلى كانا من أبناء العمومة؛ حيث تربّى قيس وليلى سويّاً، وكانا يرعيان الأغنام معاً، فأغرما ببعضهما منذ الطفولة، وعندما كبرت ليلى حُجبت عن قيس ولم تعد تراه، فهذه إحدى عادات العرب عندما تكبر الفتاة، وذلك سبّب لقيس الألم؛ حيث زاد اشتياقه وحبّه يوماً بعد يوم.
مرّت الأيام وحبّ ليلى يزداد في قلب قيس، فهام على وجهه في الصحراء، وبدأ يقول الشعر بليلى -الذي خلّده التاريخ لاحقاً وأصبح منارةً لكلّ محب وعاشق- ثمّ قرر أن يتقّدم لخطبتها، فجمع لها مهراً كبيراً، ولكنّه تفاجأ برفض أهلها له وذلك لمعرفتهم بقصّته معها وبعشقه لها من قبل وذلك ما ترفضه عاداتهم لاعتبار ذلك عار على العائلة، وهناك بعض الروايات التي تقول إنّ السبب الرئيسي في رفض والد ليلى لقيس هو بعض الخلافات بينه وبين والد قيس؛ حيث إنّ عائلة ليلى كانت تعتقد أنّ عائلة قيس قد أخذت حقّها بالميراث، حتّى أن ابا ليلى لم يجد ما يطعم أهل بيته، ولكنّ أغلب المؤرّخين رجّحوا السبب الأوّل في عدم قبول والد ليلى بزواج ابنته من قيس.
في الوقت نفسه تقدّم رجلٌ آخر لخطبة ليلى من أهلها، وكان هذا الرجل من قبيله ثقيف؛ حيث قدّم لأهلها مهراً يُقدّر بعشرٍ من الإبل، فاغتم أبو ليلى الفرصة وجبر ابنته على القبول بهذا الزواج، علماً أنّ قيس قد قدّم لها ما يقارب الخمسين من الإبل مهراً لها. تزوّجت ليلى رغماً عنها ورحلت مع زوجها إلى الطائف، وما إن شعر قيس أنّ ليلى ابتعدت عنه هام على وجهه في الصحراء الواسعة، وبدأ يُنشدها شعراً، ويتغنّى بحبّه العذري لها، وكان كثير الترحال؛ حيث يراه الناس مرّةً في الشام، ومرّةً في الحجاز، وأخرى في نجد.
ويذكر المؤرّخون والكُتّاب أنّ قيس جاء إلى زوج ليلى يوماً فوجده جالساً بين رجالٍ من قومه، وكان ذلك اليوم شديد البرد، فأنشده قائلاً:
بربّك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبّلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها
كأنّ قرنفلاً وسحيقَ مِسك وصوب الغانيات قد شملن فاها
فقال له ورد: أما إذ حلّفتني فنعم. فقبض قيس المجنون بليلى كلتا يديه على النار، ولم يتركها حتّى سقط مغشيّاً عليه.
نهاية قيس بن الملوّح
وُجد قيس ميتاً في الصحراء بين الحجارة، ويُقال إنّ امرأةً من قومه كانت تذهب إليه بالطعام يوميّاً، فتضعه في مكان معين دون أن ترى قيس، وعند عودتها في اليوم التالي إن وجدت الطعام ناقصاً علمت أنّ قيس أكل منه وما زال حبّاً، إلى أن جاء يوم وضعت فيه الطعام فعادت مرّةً أخرى وجدته كما هو فعلمت أنّ قيس قد مات، فأخبرت رجال القبيلة بأمر قيس.
خرج رجال القبيلة يبحثون عن قيس فوجدوه ملقىً بين الصخور وقد فارق الحياة، ولكنّه ترك له أثراً على إحدى الصخور بكتابة بيت من الشعر قال فيه:
توَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِة وَالْقَفْرِ
- وَمَاتَ جَريحَ القَلب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
- فيعلم ما يلقى المحب من الهجر.