خصائص شعر بدر شاكر السياب
الألفاظ والتراكيب
لقد امتازت لغة السياب بأسلوب منفرد من حيث الألفاظ والتراكيب ونحو ذلك، وتفصيل القول فيما يأتي:
الألفاظ المكانية
لقد أكثرَ السياب من استعمال الألفاظ المكانية في قصائده مثل: "المدينة، البيت، النهر، السوق، بويب"، وغير ذلك الكثير من الألفاظ، فقد ظهر عنده المكان في تجسيدات موضوعية، وخيالية، وواقعية، وأكثر الأماكن حضورًا عند السياب هي جيكور، تلك التي وُلد وشبّ فيها، فكان لها نصيب الأسد من بين الأمكنة الحاضرة في شعره، ومثال ذلك قوله:
- آه جيكور جيكور
- ما للضحى كالأصيل
- يسحب النّور مثل الجناح الكليل؟
- ما لأكواخك المقفرات الكئيبهْ
- يحبس الظل فيها نحيبه؟
- أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل
- عن هوى كالتماع النجوم الغريبهْ
الألفاظ الجديدة
كان السياب على دراية كبيرة بكيفية خلق شعر جديد يكون له فيه بصمته الخاصة التي تُشير إليه على تطاول الزمان، فخلق السياب لغة جديدة ركّبها من ألفاظ جديدة على الشعر العربي عمومًا، يتجلّى ذلك في قصيدته "فرار عام 1953"، التي يقول فيها:
- يا ليتَ لي فيهِ
- قبرًا على إحدى روابيهِ
- يا لَيتني ما زلت في لعْبي
- في ريف جيكورَ الذي لا يميل
- عنه الربيعُ الأبيضُ الأخضرُ
- السَّهْل يندى والرُّبى تُزهرُ
الألفاظ العامية والمحكيّة
لقد كان للألفاظ الدارجة أو العاميّة العراقيّة نصيبٌ وافرٌ من الحضور في أشعار السيّاب، بعد أن طوّعها وجعل دلالتها أوسع ممّا هي عليه، من مثل: "شناشيل، وبلم، وخطيّة" ونحوها، ويظهر بعضها في قصيدته "غريب على الخليج"، التي يقول فيها:
- متخافق الأطمار، أبسط بالسؤال يدًا نديَّهْ
- صفراء من ذلٍ وحمى: ذل شحاذٍ غريب
- بين العيون الأجنبيّهْ
- بين احتقارٍ، وانتهارٍ، وازورارٍ أو "خطيّهْ"
التقابل والتضاد
كان الشاعر قديمًا يُعنى بالتقابل والتضاد من حيث اللفظ أكثر من المعنى، ولكنّ الشاعر المعاصر بدر شاكر السيّاب عُني بالتقابل والتضاد في الأمور المعنوية الجوهرية للحياة مثل الوجود والعدم، والبقاء والفناء، فصار التقابل عنده بين فقرة وأخرى، وبين مقطع وآخر من القصيدة، من أجل توليد النظرة المعمّقة عند القارئ، ومن ذلك قوله:
- أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل:
- حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل
- لا يأس فيه ولا رجاء
- أنا أيها النائي القريب
- لك أنت وحدك؛ غير أني لن أكون
السمات الدلالية
لقد طغت سمات دلاليّة معيّنة على شعر السيّاب الذي لم يكمل عقده الرابع من العمر، ولكن نظرًا لما كان يمرّ به من متاعب في حياته جعل بعض السمات تسيطر على شعره أكثر من غيرها، منها الشقاء والحب، فقد كان لفقدان أمّه وانفصاله عن والده، ثم فقدانه جدّته المأوى الأخير في حياته تداعيات كبيرة على حياته وشعره، يقول في قصيدة له يذكر فيها والدته المتوفّاة:
- هي روح أمي هزها الحب العميق
- حب الأمومة فهي تبكي:
- "آه يا ولدي البعيد عن الديار!
- ويلاه! كيف تعود وحدك، لا دليل ولا رفيق؟
- أماه.. ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
- لا باب فيه لكي أدق ولا نوافذ في الجدار!
أمّا الغزل فقد كان له حضور نظرًا لشعور السيّاب بحاجته الدائمة للحنان من الجميلات والحسناوات، ففي إحدى قصائده يقول:
ديوانُ شعرٍ ملؤه غزلُ
- بين العذارى باتَ ينتقلُ
أنفاسي الحرّى تَهيمُ على
- صفَحَاتِه والحبُّ والأملُ
ثمّ يقول في مقطع لاحق من هذه القصيدة:
يا ليتني أصبحتُ ديواني
- لأفرّ من صدرٍ إلى ثانِ
وكان حبّ الوطن من السمات الدلالية الطاغية على شعر السيّاب، فحضور الشعر الوطني بين ثنايا أشعاره أمرٌ طبيعيّ لشاعر قد عانى الاغتراب في الوطن قبل أن يُغادره، ومن ذلك ما قاله في قصيدته "وصيّة من محتضر" في أحد مقاطعها، فيقول:
- إن مِتُّ يا وطني فقبرٌ
- في مقابرك الكئيبهْ
- أقصى مناي،
- وإن سلمتُ فإن كوخًا في الحقول
- هو ما أريد من الحياةِ
- فدى صحاراك الرحيبهْ
- أرباضُ لندن والدروب،
- ولا أصابتك المصيبهْ!
الصور الفنية
يُمكن ملاحظة نوعين من الصورة الفنية في شعر السيّاب، النوع الأول هو الصورة البسيطة التي تحاكي -ولو قليلًا- صور الشعراء القدماء، وتقوم على علاقات التشبيه والاستعارة ونحوها، وهي الأكثر حضورًا في شعر السياب، ومنها ما قاله في قصيدة "عبير":
عطَّرتِ أحلامي بهذا الشَّذى
- من شَعركِ المُسترسِل الأسودِ
ففي هذا البيت تظهر الاستعارة المكنية التي أدّت دورًا واضحًا في ظهور الصورة في هذا البيت، وأمّا النوع الثاني فهو الصورة المركّبة التي تنهدم فيها علاقات التشابه ويظهر الانزياح فيها بقوّة وهو يؤدّي دورًا مهمًّا لا تكاد تفهم الصورة إلّا من خلاله، ومن ذلك ما قاله في قصيدة "يا غربة الروح" إذ يقول:
- يا غربةَ الروح في دنيا من الحَجَرِ
- والثلج والقار والفولاذ والضجرِ،
- يا غربة الروح لا شمسٌ فتأتلقُ
- فيها ولا أُفُقُ
الصور الرمزية
يقصد بالصورة الرمزية هي الصورة التي تُشكّلها الرموز مُجتمعة في قصيدة واحدة، وبذلك تظهر الصورة لتجلو فهم القارئ وتريه المشهد كما رسمه الشاعر في لا وعيه، ويظهر ذلك في قصيدة "مرحى غيلان" التي يقول فيها السياب:
- كلّ وادٍ
- وهبته عشتار الأزاهر والثمار
- كأنّ روحي في تربة الظلماء
- حبة حنطة وصداك ماء
هنا الصورة ترمز إلى العطاء والهبة والخصب من خلال توظيف رمز "عشتار" ربة الخصب عند قدماء العراق.
المجاز
المجاز من أدوات اللغة ذات التأثير الفعّال في التصوير الفني التي يلجأ إليها الشعراء للتعبير عن مكنوناتهم بطريقة شاعريّة، ومنهم السياب الذي استفاد من المجاز كثيرًا في شعره، فيمكن القول إنّه لا شعر مستحسن من دون مجاز، ومن الشعر الذي استعمل فيه السياب المجاز:
- وتناثر الضوء الضئيل على البضائع.. كالغبار
- يرمي الظلال.. على الظلال
- كأنّها اللحن الرتيب
- ويريق ألوان المغيب الباردات، على الجدار
- بين الرفوف الرازحات، كأنها سحب المغيب
القصص الأسطورية
لقد كان للتراث الأسطوري حضور بالغ في شعر السياب، منه ما كان أسطوريًّا محضًا ومنه ما كان ذا صبغة أسطوريّة كعشّاق العرب، ومن ذلك قصة عروة بن حزام وحبيبته عفراء، فيقول في إحدى قصائده:
- وهي المفلية العجوز وما توشوش عن "حزام"
- وكيف شَقَّ القبر عنه أمام "عفراء" الجميلهْ
- فاحتازها إلا جديلهْ
شعرية التناص
يُقصد بالتناص السرقات الأدبية عند القدماء، أما المُحدثون فيرونه نوعًا من تداخل النصوص أو امتزاجها أو هو نوع من هجرة النصوص كما يُسمّيها بعد النقاد الحداثيين، ومن ذلك قول السياب في بعض أبياته التي تتداخل مع بعض الإصحاحات في إنجيل متّى في قصة المسيح عليه السلام:
- كنت بدءًا، وفي البدء كان الفقير
- متُّ، كي يؤكل الخبز باسمي،
- لكي يزرعوني مع الموسم
- كم حياة سأحيا ففي كل حفرهْ
الاغتراب
لقد عرف الشعراء منذ القديم الاغتراب وعانوه في حياتهم وظهر في أشعارهم منذ العصر الجاهلي، ويرجع شعور الاغتراب إلى حالة نفسيّة يعيشها الشاعر، وعند السياب ظهر الاغتراب في كثير من أشعاره فهو شابّ ريفيّ خرج من قريته وهاجر إلى بغداد العاصمة، ولم يكن راضيًا عن ذلك، هذا عدا عن غرباته اللاحقة المكانية وغربته الداخلية النفسية، فمن أشعاره التي يظهر فيها الاغتراب:
أطرت عصافيرَ الربى حين غادرت
- كأنّ بتغريد العصافير مقتلي
رأيتُ بها بدهرٍ مجنح
- فأبغضتُ أشباه العدو المنكلِ
كأنّي به لمّا يمدّ جناحه
- يمدّ لأكبادِ الورى حدّ فيصلِ
ألا ليتَ عمر اليومِ يزداد ساعهْ
- ليزداد عمر الوصل نظرة معجلِ
الزمان والمكان
لقد ظهر الزمان والمكان في شعر السياب بتجسيدات واقعية وموضوعية ومتخيلة، ولعلّ سبب ذلك محاولة السياب الهروب من الزمان المحيط به والمكان إلى زمان ومكان متخَيّلَين، ولعلّ أهمّها قريته جيكور ذات الحضور الكبير الذي يحمل أبعادًا دلاليّة تحمل في طيّاتها الكثير من الآمال والآلام للسياب، فمثال ذلك قوله:
- أحنّ لريف جيكور
- وأحلمُ بالعراق وراء باب سدّت الظلماء
- بابًا منه والبحر المزمجر قام كالسور
- على دربي
- وفي قلبي
وختامًا يظهر أنّ لشعر السياب خصائص كثيرة قد أضافها لشعره من خلال تجربته الطويلة نسبيًّا والصعبة التي قد مرّ بها التي قد صقلت شخصيّته وأضافت إليها الكثير من الخبرات وجعلته شاعرًا قد تفرّد بكثير من الخصائص على المستوى النفسي والأدبي.