سمات الغزل العذري في عصر بني أمية
سمات الغزل العذري الأموي
تناولَ كلُّ عصر من عصور الشعر العربيّ بين طياته موضوعَ الغزل، إلّا أنَّه وصل أوج ازدهاره بوجه خاصّ في العصر الأموي، وقد كان للغزل آنذاك منهجان: العذري والحضريّ، حيث شاع النوع الأول في البادية، وكان رائده جميل بن معمر العذري، وظهر النوع الثاني المدينةَ وحواضر الحجاز، وكان رائده عمر بن أبي ربيعة.
لم يختلف الغزل العذري بشكل كبير عن الغزل الصريح بما يتعلق بمسألة تجسيد العاطفة ورقتها، لكنّ الشعراء العذريين أبدعوا بشكل أكبر في تصوير معاني الحب الخالصة، وظهر ذلك جليّاً في أشعارهم المملوءة بالعاطفة الصادقة الحارة واللوعة وحرقة الهوى والتفاني بالمودة والإخلاص لمن يحبونهم ويذكرونهم في أشعارهم.
اعتمدَ نظام الغزل في العصر الأمويّ على نمط الحكاية والحوار في بعض الأحيان، فكثرت كلمات "قال وقلت وقيل" وغيرها، وتحوّلت بعض القصائد الغزلية في ذلك الحين إلى قصص قصيرة لكي يتمَّ تصنيفها ضمنَ الغزل القصصيّ.
وفيما يأتي بعض سمات وصفات للغزل العذري في العصر الأمويّ، ولعل السمات آتية الذّكر تدلُّ على أهميّة الغزل في العصر الأموي، وكيف كان الشعراء يتغنون بقصائدهم الغزلية من خلال عدة وسائل، ومن أبرز تلك السمات ما يأتي:
- العفة في الغزل العذري .
- اشتعال العاطفة وظهور المشاعر الجياشة.
- الحرص على رضا المحبوب وعدم جلب الحزن والهمّ له.
- الإعراض عن قول العذال والوفاء للمحبوب مهما كان رأي الناس فيه.
- وصف محاسن المحبّ في مواطن الرضا، وفي مواطن الغضب.
- إكبار المرأة عند الوصف وعدم امتهانها وذكرها بما لا يليق.
- التأثر بالمعاني الإسلامية من ناحية الحرام والحلال والجائز وغير الجائز استخدامه في الشعر والوصف.
- الصفاء والإشراق، حيث يتطابق عمق الحب مع قوة اللغة الشعرية وجزالتها.
- الديمومة والبقاء، وعدم تمني الخلاص للعلاقة التي تربط المحبوبين ببعضهما.
- التفرد بالحب بمحبوبة واحدة أو محبوب واحد.
- الشكوى والمعاناة المتصلة بالهجر والبعد.
- الخضوع لسلطان المحبوب أو المحبوبة.
- تمني ملازمة المحبوب طيلة الحياة وباقي العمر.
- القناعة في الحب بالقدر والعدد.
- الصدق النفسي، إذ إنَّ الحب يصدر عن صاحبه كتدفق الماء، بالإضافة إلى الصدق الفني، أي أنَّ الشاعر يعبر عن حبه دون زيف أو كذب.
مفهوم الغزل العذري
يمكن تعريف الغزل العذري على أنًَّه: غزل عفيف طاهر يمثل فيه الشاعر قصة المعاناة مع العشق وألم البعد عن المحبوبة، ولا يتناول فيه جمال المرأة الجسدي بقدر ما يتناول جاذبيتها وعواطفها، ويتفرد فيه بعشق محبوبة واحدة يخلص لها طوال حياته.
أسباب ازدهار الغزل العذري في العصر الأموي
ازدهر الغزل في العصر الأموي لعدَّة أسباب، منها ما يأتي:
الأثر الإسلامي
وهو الأثرُ الأبرز في تغيير وتبديل نظرة الرجال للمرأة في الحياة الجاهلية إلى سيدة مقدَّرة لها رأيها في الزوج، ولها كيانها المحترم في الحياة، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تغييرًا شاملًا في حياة البشرية بشكل عام، وذلك من خلال النصوص القرآنية التي تدعو إلى رفعة قدر المرأة، ودعوة الرجل أن يرفق بها.
الثراء
تدفق الثراء إلى الدولة الإسلامية في العصر الأموي عن طريق الفتوحات الإسلامية، وما غمرته من المسلمين من غنائم، وما أغدقه الأمويون من مال على أشراف مكة المكرمة والمدينة المنورة والقبائل الحجازية والنجدية، وذلك لإبعادهم عن الحكم والسياسة، إضافةً للمال الذي كان مصدره التجارة بين الشام واليمن، وهذا ما جعل الناس ينغمسون في اللهو.
الفراغ
ذلك الفراغ الذي نشأ بعد قيام الدولة الإسلامية بإنهاء المنازعات القبلية والعصبية أو الفخر القبلي والهجاء القبلي، و كفِّ شعراء نجد والحجاز عن المشاركة بالأحداث السياسية.
تطور المجتمع الحجازي
و من الأسباب أيضًا التي أسهمت في ازدهار الغزل العذري في العصر الأموي هو اختلاط الأعاجم بالعرب وظهور ميولين اجتماعيين، هما كالآتي:
- الميول إلى الزهد الذي يهدف إلى الاكتفاء من الدنيا بالقليل.
- الميول إلى اللهو الذي يهدف إلى الإكثار بالشهوات.