سبب نزول قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
سبب نزول قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
قال الله -تعالى- في سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية عدّة روايات سيتمّ بيانها فيما يأتي:
قصة الرسول مع الأعرابي
ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ الصحابة الكرام كانوا إذا نزلوا اختاروا للرسول الكريم شجرةً عظمى حتى يستظلّ تحتها، فنزل يوماً تحت شجرة ونام، ولما استيقظ وجد سيفاً مسلطاً عليه وأعرابياً يقول له: (ما يمنعك مني؟)، فلم يردّ عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سوى بكلمة واحدة هي: (الله)، فسقط السيف من يد الأعرابيّ، وصار يضرب رأسه بالشجرة حتى شجّ.
رواية السيّدة عائشة
ثبت في رواية عن السيّدة عائشة -رضي الله عنها- في حديث غريب: (كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُحرَسُ حتى نزلت هذه الآيةُ: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأخرج رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رأسَه من القُبَّةِ، فقال لهم: يا أيها الناسُ انصرِفوا، فقد عصمني اللهُ)؛ فقد أمّن الله -تعالى- رسوله الكريم من غائلة الناس.
مجاهرة النبيّ ببعض القرآن
قيل في سبب نزول هذه الآية أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- كان يجهر ببعض القرآن، ويخفي بعضه عندما كان في مكّة، فنزلت هذه الآية بمعنى؛ يا أيّها النبيّ جاهر بكلّ القرآن الذي ينزل إليك، ثمّ جاء في الآية الكريمة أنّ الله -تعالى- يعصم رسوله من النّاس وإيذائهم.
معنى عصمة النبيّ من الناس
عصم الله -سبحانه وتعالى- رسوله محمّد -صلى الله عليه وسلّم- من الناس؛ أيّ أنه -صلّى الله عليه وسلّم- كان معصوماً في بدنه، ومعنى هذه العصمة أنّه محميّ ومؤمّن عليه من أن يقتله أحد، ولا تعني العصمة أنّه معصوم من الأمراض.
والرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يمرض كغيره من البشر، ولا تعني أيضاً أنّه معصوم من أذى الناس، فقد آذاه الناس، ومن الأمثلة على ذلك إيذاء المشركين له ما فعلوه به في غزوة أحد ، حتى شُجّ وجهه الكريم.
وهذه العصمة مجمع عليها عند علماء المسلمين، فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عُصم من القتل والموت حتى بلغ كلّ ما أمره به ربّه، فقد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ولم يمنعه عن ذلك قتل أحد له، على الرغم من إيذاء المشركين له عندما كان في مكّة وإيذائهم له في غزوة أحد، فهو لم يُعصم من الإيذاء ولا من المرض بل عُصم من القتل، ولمّا بلغ رسالة ربّه كلّها ولم يبقَ منها شيء مرض ومات الرسول الأمين .
تفسير قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
فيما يأتي بيان مختصر لأهم الجوانب التفسيريّة للآية الكريمة السابقة من سورة المائدة:
- تفسير قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)
في هذه الآية الكريمة يبيّن الله -تعالى- أن محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- مأمور بتبليغ كلّ ما أُنزل عليه من الله وأُمر بتبليغه للناس، وفي ذلك ردّ على من يزعمون أن الرسول أخفى شيئا ولم يبلغه، أمّا في قوله -تعالى-: (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، فهناك معنيان؛ الأوّل: إنّ خطأك إن لم تبلّغ شيئاً واحداً من الرسالة كخطأك إن لم تبلّغ الكل، والثاني: أظهر تبليغ ما أُمرت به.
- تفسير قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
بعد أن أمر الله -سبحانه وتعالى- رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلّم- بتبليغ الرسالة في الآية الكريمة؛ بيّن أنّه معصوم من الناس؛ بمعنى أنّه آمن من أن ينال منه أحد فيقتله، ومعنى (من النّاس)؛ من العرب الذين حوله فهم لا يستطيعون الوصول إليه؛ لأنّ الله -تعالى- قد أمّنه من أن يقتله أحد، ولم يُعصم النبي من أن يؤذيَه الناس، فقد آذاه المشركون عندما كان في مكة، وأوذي أيضاً في غزوة أحد.
- تفسير قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
وفي ذلك قولان، الأوّل إنّ الله -تعالى- لا يُعين الكافرين على بلوغ ما يريدونه، والآخر؛ إنّ الله -تعالى- لا يهدي الكافرين إلى الجنّة .