سبب نزول سورة التغابن (سورة مدنيّة)
سبب نزول سورة التغابن
ذكر أهل التفسير العديد من أسباب النُزول الواردة في نُزول بعض آياتٍ من سورة التغابُن، ومنها ما يأتي:
- ذكر ابنُ عباس -رضي الله عنه- في سبب نُزول قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، أنه كان إذا أسلم الرجُل وأراد الهجرة وترك أهلهُ وأولاده، قالوا له: تُهاجر وتبقى في المدينة من غيرِ أهلٍ ولا مال؟ فكان منهم من يرقُ قلبه ولا يُهاجر، فأنزل الله -تعالى- عليهم هذه الآية، وقيل: كان الرجُل يلومهُ أهلهُ وأولاده إذا أسلم، فنزلت هذه الآية، وذكر عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنه-: أنّه أسلم أقوامٌ من أهل مكة ولم يُهاجروا بسبب أهلهم وأولادهم، ثُمّ قدموا إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في المدينة، فرأوا الناس قد تعلموا منه، وفقهوا عنه، فأرادوا أن يُعاقبوا أبناءهم، فأمرهم الله -تعالى- بالعفو والصفح عنهم، ونقل أهلُ الحديث أنّ هذه الرواية من الروايات الحسنة الصحيحة، وجاء عن عطاء بن يسار أنّها نزلت في عوف بن مالك الأشجعيّ، حيثُ إنّه كان ذا أهلٍ وولد، فإذا أراد الجهاد بدأوا بِالبُكاء عليه ووقفوا في وجهه وقالوا له: "إلى من تدعنا"، فيرقُ قلبه ويبقى معهم، فنزلت فيه أواخر سورة التغابُن.
- أمر الله -تعالى- من الناس أن يتقوه حقَ التقوى، فشقَّ ذلك عليهم، حيثُ إنّهم كانوا يقومون حتى تتورم عراقيبهم وتتقرحُ جِباهُهم، فأنزل الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)،؛ لتكون تخفيفاً عنهم، وذكر ذلك القول سعيد بن جبير.
سورة التغابن مكية أم مدنية؟
تعددت آراءُ العُلماء في نُزول سورة التغابن، فذكر ابنُ عباس وابنُ الزُّبير -رضي الله عنهُما- أنّها نزلت في المدينة، وجاء عن النّحاس عن ابن عباس: أنّها نزلت في مكة إلّا آخرها في فقد نزلت في المدينة في الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ -رضي الله عنه- عندما شكا جفاء أهله وأولاده إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-.
وكان نُزول سورة التغابُن بعد سورة التحريم، وذكر البيضاويّ أنّه وقع الخلافُ في نُزولها، فذهب الأكثر إلى أنّها من السور المدنيّة، وذكر الضحاك أنّها مكيّة، وجاء عن الكلبيّ: أنّها سورة مكيّةٌ ومدنيّة، وأخرج الإمامُ البيهقيّ في كتابه الدلائل عن ابن عباس: أنّها من السور المدنيّة، وقيل: إنها مكيّةٌ إلا آخرها فهي مدنيّة.
وذهب جُمهور المُفسرين إلى أنّها مكيّة بناءً على سبب نُزول بعض آياتها، حيثُ إنّها نزلت فيمن أسلم في مكة ورفض أهلهُ وأولاده هجرته؛ فبقي معهم، وقيل: إنّها مدنية؛ لأنها نزلت بعد سورة الجُمعة وقبل سورة الصف. وأمّا سببُ تسميتها بالتغابن؛ وذلك لعدم ورود لفظ التغابن إلا فيها ، كما أنها لا تُعرفُ إلا بهذا الاسم، واتّفقَ القُراء على أنّ آياتِها تبلُغ ثماني عشرة آية.
موضوعات وأغراض سورة التغابن
تناولت سورة التغابن العديد من الموضوعات وبيانُها فيما يأتي:
- ورد فيها أنّ الله -تعالى- يُسبح له ويُنزههُ عن النقائص من في السماء والأرض، وأنّهُ الوحيد المُستحقُ للحمد؛ لأنّه الخالق -سبحانه-.
- تناولت أصناف الناس من حيث انقسامهم إلى مؤمنٌ وكافر، وفيها تحذيرٌ من الكُفر بالخالق، وإنكار رسالة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وفيها دعوةٌ إلى التفكُر بالأُمم السابقة وما حل بهم عندما كذبوا بالرُّسل والآيات، كما فيها بيانٌ أنّ الأُمور لا تجري إلا وفق ما اقتضاه الله -تعالى-.
- تناولت أسباب النجاة في الآخرة، فهي لا تكون إلا بالإيمان بالله -تعالى- وحده، والتصديق بِرسوله، والكتاب الذي جاء به، مع الإيمان بالبعث، ومن آمن بذلك كَفّر الله -تعالى- عنه سيئاته، وإلا كان جزاؤه النّار.
- بينت تثبيت الله -تعالى- لعباده المؤمنين على رغم ما لاقوه من ضرر من الكافرين؛ وذلك بسبب إيمانهم وتوكلهم على ربهم. كما أنّ فيها تحذيرٌ من الله -تعالى- للمؤمنين من بعض أقربائهم المُشركين ومحاولاتهم لتثبيطهم عن الإيمان والهِجرة، فحّثتهم على الصبرعلى كُل ما يتعرضون له من أذى، وفيها حثٌ على الإنفاق في سبيل الله -تعالى- ، وأمرهم بالتقوى والسمع والطاعة لأوامر الله -تعالى- ورسوله.
- إنذار الكافرين والمُنافقين بالعذاب في الدُنيا والآخِرة، مع دعوتهم إلى الإيمان بالله -تعالى- ورُسله. مع ذكر الله -تعالى- في بدايتها أنه الوحيد المُختصُ بالمُلكِ والحمد، فلذلك ابتدأها الله -تعالى- بقوله: (يُسَبِّحُ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
- جاء في السورة ذِكْرُها ليوم التغابُن؛ وهو يوم القيامة، وأنّ الناس ينقسمون فيه بحسب أعمالهم، فمنهم من يكون من أهل الجنة ومنهم من يكونُ من أهل النار، كما ذكرت أهمية طاعة الله -تعالى- ورسوله ، وخُطورة مُخالفتهما. وبيّنت السورة في آخرها أعداء الإنسان في حياته، وحثت الإنسان على يكون قريبًا من ربه حتى يسلم منها.
- تحدثت السورة عن تسبيح المخلوقات، والحكمة من خلق الله -تعالى- للخلق، وذكرت بعض الأُمم السابقة وإنكارهم للبعث ويوم القيامة، وتناولت الجزاء والعِقاب والثواب. وأخبرت عن عداوة بعض المُقربين من الإنسان؛ كأهله وأولاده، وأمرت السورة بالتقوى حسب الاستطاعة، وبيّنت أنّ الله -تعالى- يُضاعفُ الأجر لعباده المُتقين، وأنّه مُطلعٌ على جميع خلقه، وذلك لقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).