سبب نزول آية (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)
سبب نزول آية (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)
هناك عدة أسباب لنزول الآية الكريمة، بيانها ما يأتي:
- مكث رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بمكة عشر سنين يدعو الناس إلى اللَّه -تعالى- سرّاً وعلانية خائفًا هو وأصحابه من دون أن يؤمروا بقتال، ولما أُمروا ب الهجرة إلى المدينة ظلوا فيها خائفين، يصبحون في السلاح ويمسون حتى نزلت الآية.
- قيل: لما صدَّ المشركون رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأصحابه يوم الحديبية ، وعدهم ربهم أن يظهرهم ويفتح لهم مكة ويستخلفهم في الأرض وينزل فيها كما استخلف الذين من قبلهم ويصبحوا آمنين.
- نزلت الآية لتبشر المسلمين وتضع الحجة على الكافرين، لأنها نزلت في وقت لا يطمعون فيه بالنجاة فضلاً أن يطمعوا في الأمن والاستخلاف.
- روى أُبي بن كعب -رضي الله عنه-: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؟).
فنزل قوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)،حتى بشرهم رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بقوله: (والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
معاني المفردات
توضيح معاني مفردات الآية ما يأتي:
- الفرق بين ليبدِلنهم بالتخفيف، وبين ليبدّلنهم بالتشديد
إنَّ قراءة "ليبدّلنهم" بتشديد الدال يأتي بمعنى: وليغيرنّ حالهم عما هي عليه من الخوف إلى الأمن، أي سيغيّر حالهم من دون أن يأتي مكانه غيره -على اعتبار أن الخوف والأمن حالين موجودون فعلاً- بدليل أنَّهم لمَّا كفروا بهذه النعمة، وقتلوا عثمان بن عفان ، أدخل الله عليهم الخوف الذي كان قد رفعه عنهم.
قراءة "ليبدِلنهم" بتخفيف التشديد يأتي بمعنى: إذا جعل مكان الشيء المبدل غيره، كقولهم: أبدل هذا الثوب: أي اجعل مكانه غيره، وهو بمعنى: ذهب بحال الخوف وأزاله بالكلية، وجاء بحال الأمن المخالف له، فيكون التخفيف من الإبدال والتشديد من التبديل وهما لغتان، والتبديل بمعنى تغيير حال إلى حال، والإبدال رفع الشيء وجعل غيره مكانه.
- القول في الفرق بين الخوف والخشية
إنَّ الخوف يتعلق بالمكروه وبتركه أما الخشية فتتعلق بمنزل المكروه، فيقال خشيت زيداً ولا يقال خشيت ذهاب زيد، ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية، ولهذا قال -تعالى-: (ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)، وقال أبو علي الدقاق: "الخوف من شروط الإيمان، والخشية من شروط العلم".
قيل: الخشية هي تألم القلب والخوف الدائم بسبب توقع مكروه، وتكون إما بكثرة الجناية من العبد أو بمعرفة جلال الله وهيبته، أما الخوف فهو توقع المكروه أو فوات المحبوب من دون توجع، والأمن نقيض الخوف وهو: عدم توقع مكروه في الزمان الآتي، وكانت فارس قد سبَت أهل بيت المقدس فأما أهل مكة فلم يطمع فيهم جبَّار.
معنى الآية (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)
تفسير معنى الآية فيما يأتي:
- إنَّ معنى التبديل في الآية يتعدى الخوف والأمن إلى كونهم أصبحوا طالبين بعد أن كانوا مطلوبين، وقاهرين بعد أن كانوا مقهورين، أي خفف عنهم بعد ما كان فيهم من التشديد فقال: "وليبدّلنهم" بالتشديد، فقد كان أصحاب رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بمكة لا يصلون إلا متخفين، وكان الواحد منهم يحفظ صاحبه حتى يصلي ويتناوبون على ذلك.
- أقسم الله -عز وجل- بالأمان لعباده، لأنَّ اللام في "وليبدلنهم" جواب ليمين مضمرة بمعنى: والله ليبدلنهم.
- تدل الآية على صحة إمامة الخلفاء الأربعة الذين بسط لهم في الأرض فقاموا بسياسة المسلمين والذب عن حوزة المسلمين.
- تشير الآية إلى أئمة الدين والعلماء الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
- تحتوي الآية على إعجاز غيبي و دليل على نبوة النبي محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بعد أن أنجز الله ذلك الوعد، ومن القواعد المحكمة أنّ الفتوحات العظيمة والتمكين وظهور الأمن والدين، لم يكن ليحصل لمن لم يتفرغ للجهاد.
- أيام علي -رضي الله عنه- لم يكن هناك فتوحات لاشتغاله بمحاربة مخالفيه،وهذا لا يعني انتفاء الأمن عن عهد سيدنا علي -رضي الله عنه-، لأنَّه ليس من ضمن الأمن السلامة من الموت، كما ليس من شرط الأمن رفع الحرب، إنما شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره.