سبب نزول آية (محمد رسول الله والذين معه)
سبب نزول آية (محمد رسول الله والذين معه)
عن عمر بن الخطاب قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سَفَرٍ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- فلم يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ لِنَفْسِي: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا ابن الْخَطَّابِ، نَزَرْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثٌ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْكَ؟".
قَالَ: "فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَتَقَدَّمْتُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ، قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي: يَا عُمَرُ، أَيْنَ عُمَرُ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٍ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ").
ومن المتفق عليه أن هذه السورة نزلت في السنة السادسة للهجرة؛ لمّا خرج رسول الله مع الصحابة لأداء العمرة غير قاصد للقتال، فصدّته قريش عن البيت الحرام ورفضوا دخوله للعمرة، فجرت بينهم مفاوضات حتى توصلوا إلى صلح بين الطرفين؛ حيث يقضي برجوع الرسول ومن معه من الصحابة، وعدم دخولهم مكة هذا العام، ورجوعهم العام القادم لأداء العمرة مدة ثلاثة أيام فقط.
كما اشترطوا عليه أن من جاءه من مكة مسلماً ردّه عليهم، ومن جاءهم مرتداً لم يرجعوه إلى الرسول، فثقل هذا الشرط على الصحابة -رضي الله عنهم- وراجعوا رسول الله في الصلح كثيراً، ومن راجعه عمر -رضي الله عنه-، فأنزل الله هذه السورة على الرسول في طريق عودته إلى المدينة، فسرّ رسول الله بها وتلاها على الصحابة.
السبب العام لنزول سورة الفتح
هذه الآية هي الآية الأخيرة من سورة الفتح ، وسورة الفتح من السور العظيمة التي جاءت تسلية للصحابة -رضوان الله عليهم-، ومبشّرة لهم على إثر صلح الحديبية الذي كان في ظاهره ضعفاً للمسلمين؛ ورضى بشروط قاسية اشترطتها قريش عليهم، وقبلها رسول الله بوحي من الله تعالى.
وبسبب ذلك ضاقت بعض نفوس المسلمين من الأمر، فأنزل الله هذه السورة مبشراً ومبيناً أن هذا الصلح سيكون فتحاً للمسلمين، وأنجز الله وعده بعد الصلح بسنتين، حيث فتح على المسلمين مكة المكرمة.
قال الله -تعالى-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمً).
معنى الآية الكريمة
يُثني ربنا -تبارك وتعالى- في هذه الآية على النبي الكريم وصحابته -رضوان الله عليهم-، مبيّنا أوصافهم التي استحقوا بها هذه المعية، والبشرى والفتح من الله، وهذه الأوصاف هي:
- أنهم أشداء على الكفار؛ يعني فيهم غلظة وغضباً لله ولدينه.
- رحماء على المسلمين
أي لهم موالاة ومحبة في الله، وهاتان الصفتان هما معنى الولاء والبراء .
- عندهم تعبّد وتألّه، وخشوع وإنابة، وخشية من الله تعالى، وأثر ركوعهم وسجودهم ظاهر على أبدانهم وأخلاقهم.
- ليسوا بجبارين ولا مستكبرين
وليس قتالهم قتال عصيبة وعناد، وإنما غايتهم من القتال رضا الله -تعالى- ونيل جنته.
ثم ضرب الله لهم مثلاً؛ حيث شبّه سبحانه نصرتهم ومآزرتهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- ووحدتهم بفراخ الزرع أو فسائله؛ التي تشدّ من أزر الشجرة الأصلية، والشطْء هو فسائل الزرعة تسند ساقها، فكان في هذه الفسائل تأييداً للساق، فقامت الساق على تمامها وتقوى بنيانها، فكذلك الصحابة مع رسول الله قاموا بالدين معه، فكان في ذلك قوة لهذا الدين.
ثم بين سبحانه أن مثل هذه القوة والوحدة والتناصر بين المسلمين، مع اجتماع الصفات السابقة فيها إغاظة للكفار، ثم ختم سبحانه الآية ببيان الأجر العظيم الذي ينتظر هؤلاء الصحابة في الآخرة.
ما يستفاد من الآية
يُستفاد من الآية عدة أمور؛ منها:
- عظم منزلة الصحابة ومكانتهم وخيريتهم، وأن محبتهم وموالاتهم دين يتقرب به المسلم إلى الله.
- أهمية هذه الصفات، وأن على المسلم الامتثال لها.
- هذه الصفات هي صفات الجيل الذي يطلب النصر.