سبب تسمية سورة الفرقان
القرآن الكريم
اختلف اهل اللغة في سبب تسمية القرآن الكريم بهذا الاسم، حيث قيل إن التسمية مشتقة من القرء بمعنى الجمع، حيث تقول العرب قرأت الماء في الحوض، وسبب التسمية أن القرآن الكريم يجمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، وقيل إن التسمية مشتقة من فعل قرن، بمعنى ضمّ الشيء بالشيء، وسبب التسمية أن القرآن يضمّ السور والآيات، وقيل إن لفظ القرآن اسم يدلّ على كتاب الله وليس مشتقّ ولا مهموز، كما الإنجيل والتوراة، أما اصطلاحاً فيُعرّف القرآن الكريم بأنه كلام الله -تعالى- المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي بواسطة جبريل عليه السلام ، وهو المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، ويعدّ المصدر الأول للتشريع الإسلامي ، وينقسم إلى ثلاثين جزءاً، ويبلغ عدد سوره مئة وأربع عشرة سورة.
سبب تسمية سورة الفرقان
سورة الفرقان سورة مكيّة، حيث نزلت جميع آياتها في مكة المكرمة ما عدا الآيات الثامنة والستون، والتاسعة والستون، والسبعون، فقد نزلت في المدينة المنورة، وترتيبها من حيث النزول الثانية والأربعون، حيث نزلت بعد سورة يس وقبل سورة فاطر، وترتيبها في المصحف الخامسة والعشرون، ويبلغ عدد آياتها سبعة وسبعون آية، وتدور مواضيع السورة الكريمة حول إثبات صدق القرآن الكريم، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بعقيدة التوحيد ، والبعث، والجزاء، وذكر بعض القصص التي تحوي بين جنباتها العبرة والعظة.
وتجدر الإشارة إلى أن تسمية سورة الفرقان وردت في الحديث الصحيح الذي رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قال: (سَمِعْتُ هِشامَ بنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقانِ في حَياةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاسْتَمَعْتُ لِقِراءَتِهِ، فإذا هو يَقْرَأُ علَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيها رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَكِدْتُ أُساوِرُهُ في الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ برِدائِهِ،...)، ويرجع السبب في تسمية سورة الفرقان بهذا الاسم إلى ورود كلمة الفرقان فيها، والفرقان هو الكتاب العظيم الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يُعدّ أعظم نعمةٍ للبشرية جمعاء، لا سيّما أنه النور المبين الذي فرّق الله -تعالى- به بين الحق والباطل، والكفر والإيمان ، والهدى والظلال، والنور والظلام.
أسباب نزول سورة الفرقان
ورد في كتاب أسباب النزول للواحدي أسباب نزول بعض الآيات من سورة الفرقان، ومنها الآية السابعة والعشرون، وهي قول الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)، وقد قيل إن الآية الكريمة نزلت في عقبة بن أبي معيط، وأبيّ بن خلف، حيث كانا متحابين متحالفين، وكان من عادة عقبة بن أبي معيط أن يصنع طعاماً عند عودته من السفر، ويدعو إليه أشراف قومه، وكان عقبة يُكثر من مجالسة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي أحد الأيام رجع عقبة من السفر فصنع طعاماً ودعا إليه أشراف قريش، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وُضع الطعام للناس رفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل من طعامه إلا بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشهد عقبة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فأكل النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان أمية بن خلف غائباً عن ذلك المجلس، وعندما بلغه الخبر، قال لعقبة: "صبأت يا عقبة"؟ فردّ عليه عقبة نافياً أن يكون قد صبأ، وأخبره بأنه تشهّد لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفض أن يأكل من طعامه إلا إذا تشهد، فاستحيى من خروجه من غير أن يأكل طعامه، فتشهّد، فقال أُبيّ: "ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلا أن تأتيه فتبصق في وجهه وتطأ عنقه"، فأخذ عقبة رحم دابّة فألقاها على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوعّده النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يعلو رأسه بالسيف إن ظفر به خارج مكة، وبالفعل وقع عقبة في الأسر يوم بدر ، فقُتِل صبراً، وأما أبيّ بن خلف فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحد في المبارزة، ونزلت الآية الكريمة فيهما.
أسماء السور توقيفيّة عن النبي
تُعرّف السورة اصطلاحاً على أنها مجموعة من آيات القرآن الكريم ضمّ بعضها إلى بعضٍ حتى بلغت من الطول والمقدار ما أراده الله تعالى، أما لغةً فقد اختلف أهل العلم في أصل كلمة سورة، حيث قال بعضهم أنها مُشتقة من الرتبة والمنزلة، كما ورد في شعر النابغة، حيث قال: "ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب"، وسبب التسمية يرجع إلى أن سور القرآن الكريم مراتب ينتقل فيها القارئ من منزلةٍ إلى منزلةٍ، وقيل إن التسمية مأخوذة من سور المدينة بسبب إحاطة السورة بآياتها كما يحيط السور بالبنيان، أو بسبب ضمّ السورة لآياتها كما يضمّ السور لبناته ليصل إلى الارتفاع المطلوب.
ومن الجدير بالذكر أن جميع أسماء سور القرآن الكريم توقيفية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيّما أنها كانت معروفة بأسمائهما في حياته عليه الصلاة والسلام، وقد وردت الكثير من الأحاديث التي تدلّ على ذلك، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ)، وما رُوي عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ)، وقد أكّد الإمام السيوطي رحمه الله في كتاب الإتقان على أن أسماء سور القرآن الكريم توقيفية.